من تأويل الحلم إلى تأويل الحياة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من تأويل الحلم إلى تأويل الحياة

  نشر في 11 يوليوز 2023 .

عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-يقول: «إذا رأى أحدُكُم رُؤيا يُحِبُّهَا، فإنما هي من الله تعالى، فليَحْمَد الله عليها، وَلْيُحَدِّثْ بها -وفي رواية: فلا يُحَدِّثْ بها إلا من يُحَبُّ-وإذا رأى غير ذلك مِمَّا يَكْرَه، فإنما هي من الشيطان، فَلْيَسْتَعِذْ من شَرِّهَا، ولا يَذْكُرْهَا لأحد؛ فإنها لا تضره».

متفق عليه.

وفي صحيح مسلم وسنن ابن ماجه واللفظ له: أن رجلاً قال للنبي: رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس.

وفي صحيح مسلم: الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس.

اختر أجمل الألوان

تتزاحم على الإنسان مجموعة من الأفكار والظنّون والاوهام عن الحياة والمستقبلوعن الآخرين. سواء كان ذلك صادرا من تفكيره الإرادي والشعوري أو كان ناتجا عن الكوابيس التي فد تنتابه في نومه.

على مستوى فن الرسم يكون الإنسان فنّانا عبقريا، عندما يختار بعض الألوان لتتناسب مع موضوع لوحته، وكذلك عندما يركّز على اهم زوايا ومشاهد اللوحة لكي يُظهر دلالات ومعاني محددة ومعينة، وكل هذا من أجل أنْ تبدو اللوحة ساحرة وجذّابة للمتأمّل فيها، وبذلك تحافظ على قيمتها الفنية عبر العصور.

كذلك بالنسبة لحياة الإنسان، إنْ أراد أنْ يعيش حياة مليئة بالفرح والسرور عليه أنْ يختار أجمل الأفكار والتصورات لكي يرى العالم جذابا وسارا. فالافكار والظنون تُشبه الالوان المختلفة في اللوحة وأنت من يحدّد رسم لوحة مشاعر قلبه.

والحكمة السابقة التي تقول: " إذا رأى أحدُكُم رُؤيا يُحِبُّهَا، فإنما هي من الله تعالى، فليَحْمَد الله عليها، وَلْيُحَدِّثْ بها ". تعلِّمُنا كيف يجب علينا أنْ نُبْقي في أذهاننا إلا على الرؤى الجميلة والمبشِّرة ولا بأس إنْ قصصناها على غيرنا بما تثيره فينا وفيهم من طاقة وعزيمة لكي نعيش الحياة على نحو أفضل؟.

أمّا الرؤى التي تحتوي على تشاؤم أو على مصائب متوقعة، أو على أفكار سلببية ك: حديث النفس وتخويف من الشيطان، أو كحال ذلك الرجل الذي قال للنبي: "رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس" صحيح مسلم. مثل هذه الأفكار السلبية والصور المرعبة واللامعقولة هي أفكار تحزن الانسان، لذلك لا بد من تجاوزها وعدم التفكير فيها من الأساس، وعدم إلقاء لها بال.

معظم الكوابيس التي تأتي على الانسان في نومه هي كاذبة ولا تحدث على أرض الواقع، إلا الرؤى التي تبشرنا بالخير والسرور فتلك التي تصدق وتتحقق على أرض الواقع بدليل حديث النبي. " الرؤيا الصالحة بشرى من الله...". أمّا الرؤى الأخرى التي تمتلئ بالكوابيس وبالأحزان فليست إلا حديثا للنفس، أو تحزينا من الشيطان. ودليل ذلك قول النبي: وإذا رأى غير ذلك مِمَّا يَكْرَه، فإنما هي من الشيطان، فَلْيَسْتَعِذْ من شَرِّهَا، ولا يَذْكُرْهَا لأحد؛ فإنها لا تضره»

إنّ القلب سُمي قلبا لتغيره من حال إلى حال، فهو يتقلب من حال الفرح الى حالة السرور، ومن حال الايمان الى ضعف الايمان. إنّه شديد الحساسية فأيُّ شيء مهما كان تافها يمكن أنْ يؤثر فيه. لذلك فإنّ زرع الفرح الدائم فيه يقوم على اختيار أحسن الأفكار والرؤى والتصورات حتى وإنْ كانت أحلاما.

شخصيا، كنت قبل أنْ اتعلّم هذه الاحاديث النبوية عن الرؤيا كنت شديد الحساسية من مضمون أحلامي وكوابيسي. فكنت أُمضي يومي في خوف وكدر وحزن وأقول: لعل شيئا سيّئا سيحدث لي في قادم الأيام، وهكذا كنت أعيش الكثير من التعاسة، وبعدما اطلعت على أنّ ما يتحقق في الواقع إلا تلك الاحلام التي تبشّر الانسان، استكانت نفسي واطمأن قلبي.

لهذا فوحدنا من يتحكّم في إختيار أجمل الألوان التي يجب أنْ نرسم بها لوحة حياتنا، فقد نختار اللون الأسود القاتم من التشاؤم، وربما قد نختار اللون الوردي والابيض من الامل. وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلِّمنا كيف نتعامل مع الأحلام المُفْزِعة بهذه الطريقة التي نحن غير مسؤولين عنها، فحياتنا الشعورية الإرادية هي أحق أن تستحق هذه العناية.

جوهر القول:

حياتنا الواقعية مثل لوحة الرسم، ونحن من يختار المشاهد المناسبة التي نعيشها. فإذا أردنا أن نرسم في حياتنا فصل الربيع فيمكننا ذلك: نختار الكلمات الجميلة، والأصدقاء الرائعون، ونقرأ الأخبار والقصص المُسعدة والمفرحة، ندخل في الغير سعادة مفاجئة، نزور أقاربنا، نبتعد عن المشاحنات والمشاجرات. نطهّر قلوبنا من الحسد والكراهية والضغينة، نقوم بزيارات منتظمة للمرضي، نجعل بيننا وبين الله حبلا من الوصال لا ينقطع، نقرأ كتابه ونتدبره، نصلي ركعات صادقة في جوف الله، نهدي لأحبائنا هدايا... إلخ. فإرادتنا هي ريشه ترسم المشهد ومشاعر قلوبنا تتلون بها..


  • 1

   نشر في 11 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا