كان الطبيب يقف بحيرة فوق رأسه منذ مدة ليست بقصيرة.

يحاول ايجاد حلٍ لهذا الرجل الذي تم انقاذه بعد محاولةٍ للانتحار، فقد قادوه الى المشفى قائلين: رمى بنفسه من اعلى برجٍ في المدينة، لعله حقاً غير راغب بالحياة بعد الآن.

كان امراً لا مجال للنقاش فيه، فعلى الطبيب حتماً معالجة المرضى مهما ساءت ظروفهم، ومهما كانوا راغبين بالموت.

لكن رغبة المريض بالموت لم تكن المشكلة الوحيدة التي واجهها الطبيب وكل من يعمل الى جانبه.

فقد فتشوا ملابسه بدقة ولمرات عديدة دون الوصول لنتيجة تذكر، فعلى الرغم من ايجاد هويته ومعرفة اسمه بالكامل، كان من الصعب الوصول الى افراد عائلته او احد اصدقاءه.

لم تكن المرة الاولى التي يصل فيها مريض لا يملك هاتفاً محمولاً، لكنها ربما المرة الاولى التي يبقى فيها المريض بحالة غيبوبة لثلاثة ايام دون ان يأتي احد للبحث عنه.

فهذا الرجل التعيس قد عاش حياته وحيدا منذ الصغر، من غير المتوقع ان يذكره احد بحال غيابه الا قلة من الناس.

أولهم مالك الغرفة التي يسكنها منذ سنوات، ولا يتمكن من دفع اجرها منذ ان خسر عمله الآخير في معمل السكاكر. "وهذا بالطبع لن يحاول البحث عنه، بل سيعمل على افراغ غرفته سريعاً ليأجرها لمن يملك مايكفي من المال"

ثانيهم فتاة في العاشرة من عمرها، كان يساعدها غالباً في تعلم اللغة الفرنسية. "و لن تسمح لها والدتها بالبحث عن معلمٍ فاشل ومنخفض الآجر كهذا"

وآخرهم جارةٌ شنيعة الهيئة اقرب للشيخوخة منها الى الشباب، وقد كان يواعدها في الاشهر المنصرفة، ليأمن لنفسه عدة وجبات على حسابها. "وهي معتادة على غيابه كلما حصل على مصدر دخل جديد"

لكنه في هذه المرة لم يحصل على اي عمل، ولا يزال غير قادر على تسديد ديونه، وعن الاقلاع عن التدخين، وغير قادر على بناء علاقات اجتماعية صحيحة، والتخلي عن عقده السابقة منذ وفاة والديه.

هو لم يكن يوما سيء الخلق او مسبباً للمشاكل، لكنه كان دائماً عاجزاً عن الانخراط في هذه الحياة التي حاولت سحقه منذ الصغر.

لقد فقد منذ زمن بعيد رابطته بالحياة وشغفه الذي يحثه على الاستمرار.

تحول الى شجرة زرعت في ارض صحراوية، الى نجمة منطفئة، او ربما الى ماهو اتعس مما يمكن ان تصفه كلماتي.

فهل حقاً كان على الطبيب ان ينقذ انساناً مهزوماً كهذا؟ هل سيكون ممتناً له يوم يستيقظ من غيبوبته ام انه سيعاود المحاولة ثانيةً، لكن بمزيد من الحرص، على الا يتم انقاذه مرة آخرى..