تَــمْرُ الأَيَّام في حياتنا سَريعةً كسهْمٍ طائِش لا نعي لمروره في كثيرٍ منْ الأحيان .. غيرَ أَنَّهُ في حياة كُلٍّ مِنَّا يَقبعُ في الذِّكْرَى يومٌ يَنْفردُ بأنَّ الدَّهْرَ قدْ تَمثَّلَ في لحظاته فَأَحالها سنين لاتحصى.. وَتَخَلَّتْ فيه الشَّمْسُ عن إِشراقها لِتتْرُكه رمادِيًّا كالحًا لا دِفئَ فيه وَلا حياة .
إِنَّهُ يوم أَنْ فَقَدَتَ الصديق اللَّذِي لَمْ يَتوانى عَنْ إِقَامَةِ جدار رُوحِكَ كُلَّمَا ٱنقض، أو عندما فقَدتْ قريباً كانَ السَّنَدَ إِذا مال الزمَانُ وَاِشْتَدَّ، أو حبيباً أََضاء سمَاء ليلك بِنجوم صِدْقه ووفاءه وحنانه ..
إنهُ الفَقْدُ ذلك الزَّائر الثَّقيل اللَّّذي لا يأتي بِمفرده، فَفِي معيته دَوْمًا الحزن وَالبُكاء وَاليَأْس .. غيرَ أَنَّ ما يُحمَد عليه أَنَّه كان الَمُلهمَ لكثيرٍ مِنْ الشُّعَرَاءِ وَالأُدَبَاءِ لبيدعوا لَنا لَوحات خالدة من الخيالات الشِّعْرِيَّة وَالتَّصَوُّرَات الفَنِّيَّة مَلِيئَةٌ بِالأَحاسيس وَالمشاعر ..
وحيثُ أَنْ أَشد الفَقْدِ ماكان سَبَّبَهُ المَوْتُ فقدْ أَبْدع العرب في شعر الرِّثَاءِ على مَفْقُودِيهُمْ، وَإِنَّي لِأَجد هذهِ الابيات مِنْ قَصِيدَة (حُكْمُ المَنِيَّةِ) لَأَبَوْ الحَسَنُ اِلْتِهَامِي يرْثي بِها اِبنه من أجمل ما قيل في شعر الرِّثَاءِ، أَورد لَكمْ شَيْئًا يسيراً منْ أَبياتها:
("فَإِذَا نَطَقْتُ فَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْطِقِي
وَإِذَا سكتُّ فَأَنْتَ فِي إضماري
أُخْفِي مِنْ البُرَحاءِ نَارًا مِثْلَ مَا
يُخْفِي مِنْ النَّارِ الزِّنَادُ الواري
وَأُخَفِّضُ الزَّفَراتِ وَهِيَ صواعد ٌ
وأُكفكفُ العَبَراتِ وَهِيَ جَوارِ
وأكُفُّ نِيرَانَ الأَسَى ولربَّما
غُلِبَ التصبُّرُ فَاِرْتَمَتْ بِشَرَارِ
وَشِهَابِ زَنْدِ الحُزْنِ إِنْ طَاوَعْتُه ُ
وَآر وَإِنَّ عاصيتهُ متوارِ ").
أُما من الشَّعْرِ الحديث فَإِنَّ أَبياتًا لِلشاعر (يُوسُفُ الدِّيكُ) من قصيدته (مَتَاهَاتُ الفَقْدِ)، قادرة على إيقاظِ كُل مَا دُفن بداخلنا مِنْ ذكريات الشَّوْق وَالحنين للغائبين:
"النَّاسُ أَصْفَارٌ إِذَا غَابَ الحَبِيب ُ
مَذَاقُ الشَّايِ...
صَوْتُ النَّأْيِ.. مَرٌّ
وَالوَقْتُ صَمْتٌ جنائزٍ يِحِبُّو
وَدِقَّاتُ الثَّوَانِي..جمرْ
وَعَلَى اِتِّسَاعِ الكَوْنِ..
ضيقةٌ دُرُوبُ الحُلْمِ
شَاهِقَةٌ سُفُوحُ الصَّبْرِ
لُغَتُي تُفِيضُ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الأَسَى
وَلِضِحْكَتِي طَعْمُ النَّحِيب ِ
كَمْ وَحَدِّي سَأَكْتُبُ صبوَتي
صَهْوَتِي رِيحَ النَّوَى...
وَقَصِيدَتِي مَوْتٌ..وقهرْ ".
أخيراً يبدع (واسيني الأَعْرَج) في كتابه (طَوْقُ اليَاسْمِينِ) في تفصيل مشاعر الاغتراب في لحظة الفراق، ثم نراه وهو يحثُ نفسه على النسيان وَتجاوز المأسآة ومحاولة التعايش بعد مصيبة الفَقْدِ فيقول :
"شَاقٌ هو الفِرَاقُ الأَبديُّ ومع ذلك عَلينَا أن نتَدرَّبَ على النِّسيانِ لِنستطيعَ العيشَ.. لَمْ يَبقَ من الوقت الكثير، يجِبُ أن نفتَرِقَ وأن نمحُوَ من الذَّاكِرةِ أنَّا التَقينَا ذَاتَ لَيلَةٍ بَارِدَة . بَعدَ كُلِّ هذهِ السَّنوَاتِ القلِقةَ، المُتواطِئةُ ضدَّنا وضدَّ الحيَاة، سيأْخُذُ كلَّ واحدٍ طرِيقهُ وَسَيمتطَى كلٌّ مِنَّا فِي هذا الزَّمنِ المُوحِش، مَوجَتُهُ اللَّّتِي سَتَقُودُهُ نحوَ قَدرِهِ لِمُواجهة عُزلَته وخَوفه ورُبَّما موته، وحيدًا مثْلمَا جاء لِأوَّل مرَّةٍ إِلى هذه الدُّنيا "
في النهاية فَليرحم الله قلوبنا إِذَا أَوْجعها الفقد وليمنحنا القُوة على مُواصلةِ الحياة وٱكتشافِ أفراحها من جديد .
-
الاء الشيخمدونة مصرية، من مواليد العام 1989م تخرجت من جامعة المنصورة كلية الآداب شعبة الإعلام . محبة للأدب والفلسفة والفنون. أومن أن لكلِ روحٍ على هذهِ الأرض رسالةٌ ما يجب أن تؤديها قبل أن تلقى خالقها .