فاجئني السؤال حين قرأته للمرة الأولى، فكرت و ارتبكت، لم يخطر ببالي من قبل، لكن ماذا أفعل إن رأيته؟ بما سينطق لساني؟

هل استغل رؤيته وأطرح عليه جميع الأسئلة التي حيرت عقلي لسنوات؟ أسأله ما جدوي وجودنا؟ لما نحن هنا؟ أكان حقا هناك ضرورة لخلقنا؟ ما حدود السماء؟ ماذا بعد الجنة؟ أجهنم أبدية العذاب؟ هل أطالب بإجابات على كل تلك الأسئلة التي لازمتنا منذ الطفولة؟

وإن فعلت وجاءت الإجابات غير شافية، بأن كل تلك الأمور خارج حدود استعابنا، ولن يستطع دماغنا البشري فهمها، ما العمل حينها؟ سيكون ضاع وقت اللقاء ولم أحصل على نتيجة ترضي فضولي.

فعدلت عن الفكرة سريعا، وقررت أن لا أضيع الوقت بتلك الأسئلة الطفولية، وأن استخدم لقائي مع الله في ما هو أجدى وأنفع للناس عامة والمظلومين-وهم كثر- خاصة.

قلت سأبدأ كلامي بحكايات عن الفقر والفقراء، سأحكي عن من لا يملك قوت يومه ويعجز عن سد جوع أبنائه فلا يجد مفر إلا الانتحار، وعن من لا يملك ثمن العلاج فيقتله المرض، وعن المشردين في الشوراع، ولا ضرر في أن أريه بعض الناس يزاحمون الحيوانات طعامهم في صناديق القمامة -إن وجدت- سأحكي الكثير من الحكايات والمآسي التي يشيب لها القلب قبل الشعر وأسأله .. أيرضيك يا ربي؟

ثم سأحدثه عن الثورة .. السجون والمعتقلين، عن المذابح والشهداء، هل سمعت صوت الطلقات؟ أرأيت الدم؟ أشاهدت الجثث؟ والصراخ يا الله، الصراخ كان عاليا يصم الآذان وعميقا يزلزل القلب، صراخ الأمهات علي فراق أبنائهن، وصراخ المعتقلين أثناء تعذيبهم، صراخ وعذاب في كل مكان .. أيرضيك يا ربي ؟

هل رأيت مينا دانيال وهو غارق في دمائه؟، أشاهدت أثار المدرعات علي أجساد القتلي؟ هل سمعت أصوات الاستغاثات وهي تشق السماء وتصرخ يارب ..يارب

أرأيت الجثث المحروقة؟ أسمعت نحيب طفل قتلت أمه أمام عينيه؟ هل شاهدت أسماء؟ أشاهدت الوجه الملائكي الرقيق وهو يحتضر؟ هل سمعت صوتها؟ كانت أيضا تقول يارب .. يارب

ثم فجأة، توقفت عن التفكير وانتبهت إلى ما غفلت عنه، وتذكرت أن الله يعرف كل هذا، نعم، إنه يعرف ويرى كل شئ، ولا حاجة له بأن يسمع مني حكايات المقهورين و المظلومين! فالسؤال إذن، لماذا لا يتدخل الله؟! لماذا لا يصب غضبه علي الظالمين؟

كنت في حيرة والأسئلة تعصف بعقلي، لكني إتخذت القرار النهائي، إني إن رأيت الله لن أسأله شىء ولن أحكي له أيضا، فقط سأقول، لاتتركنا وحدنا يا الله .. لا تتركنا.