الجو مشبع برائحة الشاي ، الإنشغال سيطر على المكلفين بتسيير العرس . شباب يوزعون الماء ، الخبز و الترحيب .اثار إنتباهي المتراخي رجل أربعيني ينفش شعره البارز بإحتشام بين مساحات صلعته، حول رقبته يلف "شالا" أزرقا زاغ عن الرونق العام لألوان ملابس الحاضرين . بداية أشعار بائدة من فن "الركبة" أشارت الى نفاذ هدوء الرجل ، مع توالي النغمات إنفجر نبضه السريع كأنك على شفا كارثة متمسكا بمحيط الضباب . اصطف جمعان متقابلان ،الرجل لم يأخذ مكانا له بينهم ، ربما لأن صوته لا يساعده في الإندماج مع المجموعة ،أو ربما لأنه رعديد يخشى عدسات الصبية التي بدأت بالتصوير . اكتفى بتحريك رقبته بعنف ، و بترديد بعض الكلمات التي بدى أنه لا يحفظها كلها ، الكلمات التي حفظها كانت تتحاشى الكتم بأسنانه الصدأة الشاهدة على تاريخ حافل بمأدبات مزيتة و بحلوى سكرية . عيناه لا تتوقفان عن تفحص الحاضرين ، قميصه الباهت يحكي أيام من تحمل حرارة شمس زاكورة الحارقة . الجمعان يرددان بحماس كلمات ملفوفة بلكنة محلية صعبة الفهم على الغرباء . الرائحة اللذيذة للحمام و الدجاج تسللت إلى أنوف الحاضرين ، لتنهي نغمات منتصف الليل ...