أستطيع تصوُّر الوقت الذي كنتُ فيه تعيسة، الحياة تتكئُ على كتِفَيْ. أستطيع أن أُعيد شعوري بالحُزن، بالوجع الذي يمرُّ بين عِظامي لأُصدر أنينًا بتنهيدةِ صبرٍ وألَم. هكذا وُلد الإنسان، أقولُ لأمّي، لاينسى وقتًا شعر فيهِ بأنّ الحياة تضِيْقُ عليه، وأنَّ العالم لايتسِع لهْ. يُعيد الإنسان في كل مرةٍ يحزنُ فيها من شيءٍ مَا شعورَه بالحُزن من أشياء عديدة، لذلكَ دائمًا ماتتضاعفُ الأوجَاع، ودائمًا مايشعرُ المرء بالثِقل وقت حزنه. بينما حين فرحِه، فهو يفرحُ من أجلِ هذه اللحظةِ فحسْب، مُتناسيًا كل مُسببَات السعادة في حياتِه، مُتناسيًا الأيّام التي مرت بسلاسة، لأنّهُ شعر بالراحة. لماذا الانسانُ هكذا؟ تمرُّ أوقاته السعيدة بسرعة، في أقلّ من رمشة، تنتهي الفرحة. بينما حين يحزن، يجد أنَّ قلبَه ممتلئ بألامٍ لاتكادُ تنتهي، يمضي الوقتُ طويلًا، ثقيلًا، مُوجِعـًا. أمّا أنا يا أمّي، فأشعرُ بالسعادةِ عوضًا عن كل الضُعفاء الذين لم يستطيعوا إمتلاك سببًا للحياة، أُجددُ شعوري بالرِّضا كلَ صباح، عن المكلومين في الأرض، عن الأرواح المُحلّقة في فضاءِ الوحدة، على الرغم من حُمَّى الجِراحِ، أفرَح. على الرغم من أنّ قلبيْ مأذنةُ اليتامى، والمُسنين.. أُصلِّي بالأمَل.
نعم إنّي أحترقُ غضبًا من أجلِ الأشخاص الذين لا أوطان لهُم، أشعر بأنّ الحياة تملكُ سكاكين حادة تخدِشُني بأطرافها من كلّ الجهات، فقط لأنّ عينًا نامَت تعيْسة، لأنّ قلبًا نبضَ بقلةِ حيلة. أبكي شعورَ طفلٍ لم يعرفُ طعمَ الحلوى، أضحكُ مع كل عروسٍ تُزفُّ لحبيبها، أحتضِن كل جنديٍ عائد لحُضن والدته، وأحيَا مع كُل صرخةِ مولودٍ. هكذَا، تعلّمتُ أنّ الحياة تعنِي أن تمتلكَ شعورًا أكبرُ منك. هكذا علّمتني الأرضُ أنّها تستطيعُ إحتوائي. وهكذَا، عُدت من حُزني، سعيدة..
-
هند عبدالوهابفي بحثٍ دائـم عن الدهشَة*