علاقة المحدثين بالدولة وعلاقة الدولة بالمحدثين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

علاقة المحدثين بالدولة وعلاقة الدولة بالمحدثين

  نشر في 16 أكتوبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

تشكل علاقة العلماء بالدول التي حكمت في التاريخ الإسلامي محورا تثار حوله العديد من الأقاويل والشبهات الهادفة إلى الإساءة للعلماء وتشويههم لدى من لا يمتلك دراية بتاريخ المسلمين وعلاقة المجتمع الإسلامي بكل مكوناته بالدول التي حكمته وفي هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على السياسة التي انتهجها علماء أهل الحديث مع السلطتين الأموية والعباسية في القرون المتقدمة والسياسة التي اتبعتها السلطتان في التعامل مع العلماء.

1 _ علاقة المحدثين بالسلطة السياسة : لم تقتصر سياسة المحدثين في التعامل مع السلاطين وعمالهم على نهج واحد بل تعددت طرق التعامل وتعدد العلماء الذين اتبعوا كل طريقة وتتمثل هذه الطرق في

1_1_التعاون مع السلطة السياسية القائمة: شمل تعاون أهل الحديث مع السلطة السياسية القائمة عدة مجالات منها القضاء والإفتاء والمظالم والحسبة وإمامة الجوامع والآذان وتأديب أبناء الخلفاء والولاة وولاية الشرطة وتولي بيت المال وديوان الخراج.

1_2_ قطع الصلة بالسلطة السياسية القائمة : وهذا عبر تجنب الدخول عليها ورفض تولي المناصب التي تعرضها ورفض أعطياتها ،ومن أبرز العلماء الذين نحوا هذا النحو الأوزاعي وأحمد بن حنبل ،و سعيد بن مسيب الذي رفض أعطيات الأمويين ورفض مسعر بن كدام تولية أبي جعفر له ،والمنصور بن المعتمي الذي رفض أن يجعله ابن هبيرة قائما على القضاء ورفض محمد بن واسع دعوة مالك بن المنذر له لتولي القضاء.

1_3_معارضة السلطة الحاكمة : لم تحصر المعارضة في صورة واحدة بل شملت عدة صور تمثلت في

أ_ الإنكار على السلطة القائمة علنا ومعارضة ما يصدر عنها معارضة غير مسلحة ومن الأمثلة هذا المنهج نذكر :

_ طلب عم السفاح عبد الله بن علي الإمام الأوزاعي بعد تنكيله ببني أمية وقوله له : ما تقول في قتل أهل هذا البيت؟ فأجاب الإمام بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل قتل مسلم إلا في ثلاث ..." المروي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال له عم السفاح فأخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فرد عليه لو كانت وصية من رسول الله ما ترك علي أحدا يتقدمه فقال له : فما تقول في أموال بني أمية فرد الإمام "إن كانت لهم حلالا فهي عليك حرام وإن كانت لهم حراما فهي عليك حرام"

_ موقف ابن أبي ذئب مع المهدي العباسي لما دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه ولم يقم له فقال له المسيب ابن زهير "قم هذا أمير المؤمنين" فرد عليه ابن أبي ذئب "إنما يقوم الناس لرب العالمين" فقال المهدي "دعه فقد قامت كل شعرة في رأسي"

ب_ مواجهة السلطان علانية أمام الناس ومن الأمثلة التي يستدل بها على هذا النحو :

_ مواجهة عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما للحجاج بن يوسف الثقفي لما اتهم ابن الزبير بتبديل القرآن حينها قال له ابن عمر "كذبت ليس يتبدل كلام الله بيدك ولا بيد ابن الزبير ،كتاب الله أعز من أن يبدل".

_ مواجهة عبد الله بن عمر رضي الله عنه للحجاج بن يوسف الثقفي في المسجد لما خطب بالناس وأطال خطبته حتى المساء ،فناداه ابن عمر أيها الرجل الصلاة فأقعد ،ثم ناداه مرتين ،فأقعد فيهما أيضا فقال للناس في الرابعة أرأيتم إن نهضت فتنهضون؟ قالوا : نعم فنهض وقال : الصلاة فإني لا أراك لك فيها حاجة فنزل الحجاج فصل ثم دعا ابن عمر فقال له : ما حملك على ما صنعت فقال له ابن عمر : إنما نجيء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصل بالصلاة لوقتها ،ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة

وأيضا مواجهة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما للحجاج في عرفة لما تكلم وأطال في كلامه فقال ابن عمر : ألا إن اليوم يوم ذكر" فمضى الحجاج في خطبته فأعاد ابن عمر قوله مرتين أو ثلاث ثم قال : يا نافع ناد بالصلاة فنزل الحجاج.

وهناك من أنكر بعض صنائع السلاطين حتى في غيابهم ومن الأمثلة على هذا المنهج

_قول محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما سنة هرقل وقيصر ردا على قول مروان بن الحكم عن بيعة معاوية ابنه يزيد سنة "أبي بكر وعمر " ورد عليه مروان قائلا " هذا الذي نزل فيه :« والذي قال لوالديه أف لكما» ولما بلغ ما حصل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت " كذب والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه لسميته ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله

ج_ الإنكار على السلطان وعماله في السر :استند متبعو هذا المنهج على مجموعة من الأحاديث ،ومنه هؤلاء عبد الله بن أبي أوفى الذي قيل له "السلطان يظلم الناس ..." فرد على هذه المقولة "...إن كان السلطان يسمع منك فأته في بيته ،فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا دعه فلست بأعلم منه" ومنهم أيضا ابن عباس.

د_ الخروج المسلح : ذهب بعض العلماء إلى الخروج المسلح على السلطة السياسية أو تأييد الخارجين عليها ومن الأمثلة نجد خروج مجموعة من المحدثين على الحجاج بن يوسف الثقفي مع محمد بن الأشعث أبرزهم سعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الرحمن بن أبي ليلى ،والإمام مالك بن أنس الذي أيد ثورة النفس الزكية على أبي جعفر المنصور ،ومحاولة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي تنظيم ثورة على الواثق بالله الذي واصل السير على خطى المأمون والمعتصم في امتحان العلماء والناس بالقول بخلق القرآن.

2_علاقة السلطة السياسية بالعلماء :يمكن حصر علاقة السلطة بالعلماء في جانبين

2_1_ الاستعانة بهم في إدارة الدولة : فالدولة والمجتمع كي يدارا  لا بد لهما من هيئات ومؤسسات ومناصب وهذه الأخيرة يلزمها رجال يتولون مسؤولية الوقوف عليها ومن هذا المنطلق استعانت السلطة بالعلماء ومن أبرز الوظائف التي استعانت بهم فيها.

_الإمارة : وتعني النيابة عن الخليفة في تولي شأن ولاية ما ،وتولى هذا من المحدثين عبد الواحد بن عبد الله بن كعب الشامي حمص والمدينة ليزيد بن عبد الملك وميمون بن مهران الجزري المدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وقيس بن الربيع المدائن للمنصور.

_بيت المال : كان الوقوف على بيت المال من أهم الوظائف واحتاج لرجال ثقاة يشهد لهم بالأمانة وممن تولى أمره من المحدثين إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف زمن الرشيد وأبا الزناد الذي ولاه عمر بن عبد العزيز بيت المال في الكوفة والفرج بن فُضالة الذي ولي بيت المال في أول عهد الرشيد.

_ولاية الجند : من أهم وظائف الدولة وتولاها من المحدثين عمرو بن مهاجر بن أبي مسلم الدمشقي صاحب شرطة عمر بن عبد العزيز والحجاج بن أرطأة صاحب شرطة المهدي.

_الخراج : ويقصد به الأموال التي تجبى للدولة من أجل مصاريفها واحتاج هذا المنصب لأهل الأمانة والثقة ومن المحدثين الذين تولوا المنصب عبد الرحمن بن أبي الزناد الذي ولي خراج المدينة ومحمد بن عائذ بن عبد الرحمن القرشي صاحب ديوان الخراج زمن المأمون.

2_2_ الصدام مع العلماء : يرجع هذا الصدام إلى ما تلى الفتنة الكبرى من أحداث أهمها تحول النظام السياسي من خلافة قائمة على الشورى إلى ملك يورث وهذا ما رأى فيه علماء أهل الحديث سلبا لحق الأمة في اختيار من يحكمها وانحرافا عما جاء به الإسلام والخلفاء الراشدين الذين دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السير على خطاهم في قوله « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» وأيضا لظهور انحرافات من السلطات السياسية القائمة آنذاك لم يسكت العلماء عنها ما دفع بالسلطة الحاكمة إلى اتخاذ مسلك الصدام والاضطهاد للتحكم في المجتمع وفرض النظام الذي تريده ما جعل أهل الحديث يواجهون بطش السلطة وعقوباتها التي تمثلت في :

_القتل : لجأت السلطة الحاكمة إلى قتل خصومها وتصفيتهم سواء من الساسة أو العلماء ومن المحدثين الذين قتلوا نجد سعيد بن جبير وإبراهيم بن يزيد التيمي ومحمد بن سعد بن أبي وقاص وماهان الحنفي وعمران بن عصام الضبعي وحطيط الزيات وكمال النخعي وقد قتل هؤلاء الحجاج بن يوسف الثقفي ،وفي العصر العباسي قتل أحمد بن نصر الخزاعي على يد الواثق بالله خلال فتنة خلق القرآن وقتل أيضا يحيى بن محمد الذهلي.

_الجلد : وهو من العقوبات التي تعرض لها أهل الحديث لتغيير مواقفهم وأشهر حادثة ذكرها التاريخ في هذا تعرض الإمام أحمد بن حنبل للجلد في زمن المعتصم والواثق من أجل إجباره على القول بخلق القرآن ،كما سبقها جلد الإمام مالك بن أنس حتى خلعت كتفه لما أفتى بعدم وقوع الطلاق على الإكراه.

_السجن والتقييد : تعرض لهذه العقوبة أيضا جمع من أهل الحديث سواء لمعارضتهم السلطة سياسيا أو في مواقف دينية ومنهم سعيد بن المسيب الذي جلد ثم سجم بعد رفضه المبايعة للوليد وسليمان في آن واحد ،ونعيم بن حماد الذي رفض القول بخلق القرآن فسحن وبقي في السجن حتى مات ،كما سجن الإمام أحمد بن حنبل خلال فتنة خلق القرآن مدة تقارب الثلاثين شهرا.

_الملاحقة : لجات السلطة إلى ملاحقة العلماء المعارضين لها والذين طلبتهم ولم يستجيبوا لها ،ومن الأمثلة على هذا نجد إبراهيم النخعي والحسن البصري وعامر الشعبي الذين طلبهم الحجاج بن يوسف الثقفي فاختفوا عنه ،كما اختفى جماعة من المحدثين في أيام فتنة خلق القرآن منهم الإمام أحمد وأصبغ بن الفرج.

_النفي : لجأت السلطة إلى عقوبات أخرى لها أثر نفسي في نفس المعاقب منها النفي عن الديار ولما كان حب الديار مما يفطر عليه المرء فإن هذه العقوبة تعد من أقسى العقوبات التي واجهت أهل الحديث وممن طالته هذه العقوبة نذكر عراك بن مالك الغفاري الذي كان يحرض عمر بن عبد العزيز على أخذ ما في جعبة بني أمية من مال وفيء ،فلما مات عمر واستخلف يزيد بن عبد الملك نفر عراك إلى جزيرة دهلك وبقي فيها إلى أن مات ،والإمام البخاري الذي أخرج من بخارى بعدما رفض أن يدرس أبناء الأمير خالد بن أحمد الذهلي دون غيرهم فاستعان بحريث بن أبي الورقاء وبعض من علماء بخارى على التكلم في مذهبه ليقيم بذلك عليه الحجة وينفيه.

_قطع العطاء من بيت المال : كانت السلطات تصرف للناس حقهم من بيت المال غير أن هذا الموقف استعملته لمصالحها وفرض مواقفها وإخضاع معراضيها بقطع العطاء عنهم ومن الأمثلة على هذا قطع المأمون العطاء عن عفان بن مسلم بعد رفضه القول بخلق القرآن وكان المأمون قبل امتحان الناس بخلق القرآن يجري عليه 500 درهم كل شهر.

لم تكن العلاقة بين الطرفين محددة في صورة واحدة ويرجع هذا إلى اجتهادات المحدثين التي أقيمت في ضوء ما توفر لديهم من نصوص وخضعت للظروف التي عاصروها وإلى اختلاف سياسة السلاطين باختلاف شخصياتهم وتدينهم وبطانتهم. 

المراجع 

_ إبراهيم بن صالح بن عبد العزيز العجلان ،المحدثون والسياسية ،قراءة في أثر الواقع السياسي على منهج المحدثين

_ محمود بشار عواد العبيدي ،موقف أهل السنة من السلطة السياسية في العصر العباسي الأول



   نشر في 16 أكتوبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا