البارحة توفت ابنتي .
البارحة اُطفئت كل أنوار العالم ، و علا زفير السيّارات.
البارحة اُعلن الحداد الرسمي في السماء ، و خرجت الملائكة بجنازتها ، و اليوم ، وصلتني برقية تعزية من الله .
البارحة ، امتلأت المشفى بالدماء ، و كان الأطباء جزارون مهووسون في مسلخ على التقاعد.
البارحة كل النساء بكين ، و كل الرجال بكوا ، و الممرضات ، فيروس غريب يسبح بدم مقتول نازف .
السرير مشلول في صدر الغرفة ، و الهاتف قد جنّ ( طفل يبحث عن رضعته) الشراشف كانت نظيفة ، في حين اصطبغت الجدران ببصمات الستائر المدمّاة ، و أنا ، مصلوبٌ على مقعدي ينهمر دمعي مع ( السيروم ) المشنوق على قاعدته الحديدية ( يخترق الغلوكوز يدها أبيضاً ، بلا لون ، و يخرج و قد احمرّ حُزناً ، قد حار من يبكي )
زوجتي مُثبّتة بأوصالها الأربعة إلى السرير ، تُراقب بموتٍ فرار ابنتي من الدنيا . كلّ من حولي وجوه ، يبكون بصمت ، ينظرون بصمت ، يُعزّون بصمت ، و أنا أواجه يوم القيامة ، و أحارُ لِمَ ألطمُ وجهي و الصدر .
البارحة ، بَحَثَت عنّي ابنتي كثيراً لتودّعني ، كانت تتوق لتقبّلني ، لكنّها لم تعرفني ، كنتُ ككلّ من حولي أرتدي وجهاً ، أرتدي قناعاً ، و كنتُ مُثلّجاً جدّاً ، مومياء تنعو وفاة اهرام .
البارحة ، لم يتوقف الراديو ليُعلن وفاتها ، و لم تتوقف أغاني فيروز الصباحيّة لتشدو موسيقى الحداد . التلفزيون كان مازال يُقدّم مُسلسله الضاحك ، و ابنتي رحلت بصمت ، لم تصرخ ، لم تزعج أحداً ، دفعت مصاريف المشفى ، وقّعت استقالتها ، و استقلّت القطار إلى الجنّة .
-
Nafez Sammanكاتب و باحث و روائي سوري