فطوبى لمن كنتم أنتم وليه .. و ويل لمن اتخذ الشيطان مولاهُ

اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن الله سيدٌ ، و السيد مُطاعٌ و إلا عاقب ، و الإسلام لا يعني كما علمونا عنوة أو جهلا أنها كلمة تعود على دين السلام .. كلا .. الإسلام شرعا هو الإستسلامُ و الخضوع و الخنوع لأوامر الله و نواهيه ، أن يكون ملكا يحكم ، تُفعل تشريعاته على أرضه ، لا أن يُتخذ دينه للتبرك الأجوف و زينة الحيطان .

الله ولي الذين آمنوا ، أولائك الذين آمنوا بملك لا يرونه ، الخالق المتحكم في كل شيء ، أولائك الذين لا زالت قلوبهم على الفطرة الأولى لهذا الدين ، الذين يأبون الضير ، و لا يريدون أن يميلوا ميلا عظيما ، الغرباء ، في زمن ، طغا فيه إبليسُ و ظن أنه محكم قبضته على هذا العالم ، و شك الكثير من ضعفاء الإيمان أن لهذا الكون ربا يحميه ..

الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ظلمات الكفر و الطغيان ، تلك الظلمات التي كنت حينما تمشي حسبما يملي عليك هواك ، فمن الله عليك بأن أخرجك إلى نور الطاعة ، و لذة التقرب إليه ، حينما أذاقك طعم الإيمان ، فأحسست بحلاوته تغمر قلبك .. و أصبحت تقرأ القرآن بشكل مختلف عما كنت تتلوه قبلا ، تتدبر معانيه ، و تتبع أسلوبه الترياقَ.

عُمر ابن الخطاب ، الذي كان فتى قريش الذي لا يكاد يُصرع ، حينما أصابته دعوة النبي صلى الله عليه و سلم ، انقلبت قسوته ، أمانا على المؤمنين و رأفة ، و نارا على الكفر و أهله ! 

تذكر يا رحمني الله و إياك ، ذلك الشقي .. الوليد ابن المغيرة حينما و كان مفوه قريش ، أرسله صناديدها لمجادلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما أن دخل عليه قرأ عليه القرآن فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالاً! قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. انظر إلى شهادته في القرآن يا رحمني الله و إياك ، على الرغم من أنه سب النبي صلى الله عليه و سلم فيما بعد و كان من أهل الشقوة ، إلا أن شهادته في كتاب الله و كلماته ، لتبين لك التأثير الذي يمارسه القرآن على من يسمع كلمات بعين بصيرته .

الله ولي الذين آمنوا ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، يحييهم الله حياة طيبة في الدنيا ، ملؤها السعادة و الرضى بقضاء الله و قضائه ، كل مناهم أن يُختم لهم بخير ، و أن يرضى سيدهم عنهم ، و أن يدخلهم الجنة مستقر رحمته و رضاه ! الله ولي الذين آمنوا ، يعدهم بنصره و تمكينه ، فيوقنون ، و يرزقهم من حيث لم يحتسبوا ، لأنهم على الأقل جعلوا الله ملكا يحكم في بيوتهم و حياتهم الخاصة ، حتى و إن كان أغلب الناس يملكون أهواءهم ، و ينصبونهم آلهة دون الله ! 

و الذين كفروا ، أولياؤهم الطاغوت ، يخرجهم من النور إلى الظلمات ! الطاغوت ، كل شيء أو شخص يُملك من دون الله و يكون له الدور الرئيس في إدارة حياة العبد ، ألم تر يا رحمني الله و إياك أن الله عز و جل يقول : أرأيت من اتخذ الهه هواه ! نعم يا رحمني الله و إياه ، الهوى إله نائم ، إن اتبعته أيقظته ، فلا تفعل إلا ما يأمرك به ، و لا تنتهي بشيء ، و ما أنت على شيء تكون ! الطاغوت قد يكون نظاما عالميا إبليسيا يتحكم بأقدار الأفراد و الشعوب ، كتيار جارف ، يقود الملايير إلى الهاوية ، و لا يستفيق ضحاياه إلا بعد فوات الأوان !

اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن الفرصة لا تزال سانحة ، أن تنتقل إلى الطريق الموازي المقابل ، على صعوبته ووعورته ، على أشواكه التي تملؤه ، فلا خير في لذة بعدها النار ، و لا ضير في ألم بعده عينان إلى المليك تنظران ! و اعلم أن الأعمار تجري سراعا ، و أننا في بداية آخر الزمان ، فالبدار إلى جنة القرار .. و لا تستصعب الأمر ، فإن الله إذا رأى من قلبك الصدق ، تقبل منك القليل .. اجعل من أوامر الله و نواهيه منهاج حياة ، اجعل القرآن فرقانا بينك و بين أهلك في البيت ، أخبرهم ، أن الله عز و جل هو من يحكم و ليس أنت .. إذا قابلتكم في البيت صعوبات ، افتح القرآن و ابحث عن حكم الله فيهما ، و حاول أن تطبقها و سترى النتيجة !

لا تنسني من دعوة بظهر الغيب في هذي الأيام المباركات ، فإن أخاك في أشد الحاجة إلى رحمة ربه ، و اعلم أنني ..

في الله أحبك .. أنت يا صاحبي يا نعم الرفيق 

مهدي يعقوب