يوميات كاتب في بلاد الأهرام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يوميات كاتب في بلاد الأهرام

عالم الميكروباص

  نشر في 18 شتنبر 2018 .

لم يكُ قد استيقظ من نشوة وصوله إلى مصر ، كان يحسب أنه في حلم جميل فقط ، اتصل بأصحابه و خلانه الذين يعرفهم في مصر ، فرحبوا به أيما ترحيب ، حتى أن أحدهم حينما علم أنه قريب منه نسبيا حيث يقطن في مدينة الطور ، ألح عليه أن يأتي إليه ، لكن الظروف لم تسمح ، و يعلم الله أنه كان يحب لقاءه ، فهو لم ير منه إلا الخير ، و الحب الصريح الصحيح .. 

كانت مدينة شرم الشيخ ليلا ، كمثل هر عجوز نائم ، في ضواحي السواحل التي تشغلها الفنادق و المنتجعات ، و لكنها في وسطها ، كانت أشبه بملهى ليلي كبير مفتوح ، و كانت المسافة الكبيرة التي تفصل منتجعه بوسط المدينة عائقا أمام تعرفه على هذه المدينة ، و كان المنتجع يوفر خدمة توفير سيارة خاصة أو سيارة أجرة ، و لكن السعر كان مبالغا فيه بشكل كبير ، رمقه أحد العاملين في الفندق حين سؤاله عن أسعار سيارات الأجرة ، فغمزه بعينه أن اتبعني حينما تنتهي .. فهم يعقوب الإشارة بسرعة ، و خمن ما كان سيخبره به العامل ، فأتاه ثم بادره العامل : 

- حضرتك محتاج توصيلة صح ؟ 

- صح ، تعرف حد يوصلنا لخليج نعمة ؟ 

- أنا شوفتك بتسأل عن أسعار التكاسي ، و بيني و بينك ، التاكسي أسعاره في العلالي ، أنا هاوريك تركب ازاي و بسعر كويس جدا ..

-قول قول  قول ، قال يعقوب و هو يستحضر سعيد صالح رحمه الله في مدرسة المشاغبين ، بابتسامة ضحوكة ..

- بص حضرتك ، هاتخرج برة المنتجع خالص ، و فالشارع الكبير اللي هناك ، هاتوقف ، فيه عربيات زرقا بتمر ، شاور لها ، و قولها على وجهتك ، و هاتوصلك مطرح ما انتا عاوز ، و بسعر كويس قوي 

- و الله أنا مش عارف أشكرك ازاي يا عم سيد 

- لا شكر على واجب يا أستاذ ، انتا باين عليك رجولة و ابن ناس ..

كان عم سيد هذا رجلا في الخمسينات من عمره ، يشتغل في استقبال ضيوف المنتجع ، تظهر عليه آثار السنين من تجاعيد وجهه التي زارت جبينه شيئا ما قبل الأوان ، أوحت له ابتسامته الخجله بحيائه ، فاخرج يعقوب ورقة من فئة العشرين جنيها ، وضعها في يده ، و راح يدعو له .. كان الفرق الكبير الذي لاحظه هو التباين بين الجنيه و الدرهم ، الذي هو عملة بلده ، كان الجنيه يعاني من ركود لا يخفى على أحد ، مسببا للمصريين عناء و مكابدة لغلاء طال كل المجالات بعد تعويم الجنيه أمام الدولار الأمريكي ، فكانت ورقة العشرين التي ناولها عم سيد ، تساوي عشرة دراهم فقط في بلده ، و هو ثمن زهيد ، في حين أن عشرون جنيها في مصر تساوي 6 تذكرات من الدرجة الأولى في مترو القاهرة ، في حين أن عشرة دراهم لا تمنحك إلا فرصة ركوب الترامواي لمرة واحدة فقط في مدينة الدارالبيضاء مثلا ، فكان الأجانب هم المستفيدون من قانون التعويم الكلي هذا ، حيث أن مائة دولار مثلا تمكنك من العيش مرتاحا جدا كمصروف جيب .. 

اصطحب زوجه و ابنه ، و حرجا من الفندق ، فوجدا سبعة من الناس يقطنون معهم نفس المنتجع ، ينتظرون الميكروباص ، فاطمأن قلبه إلى هذه التجربة التي يخوضها لأول مرة ، كونه سيكون برفقة أناس أجانب ، و مصريين .. أتى ميكروباص ، كان خالي الوفاض ، فوقف سائقه بجانب الشارع ، فتح النافذة الأمامية و سأل 

- انتو كام ؟ 

رد أحد المصريين : 

- احنا عشرة .. 

- عال ، اتفضلوا اركبوا 

ركب الجميع .. كان الميكروباص ضيقا بالنسبة له كونه كان فارع الطول و لكنه كان مريحا ، و كان ممن صعد معه أربعة من الفلسطينيين ، على قدر عال من خفة الدم ، أخذ السائق الأجرة ، و كان أن دفع عشرة جنيهات من أجل التنقل لمسافة 11 كيلومترا ، الشيء الذي يستحيل أن تجده في بلده الأم .. 

كان أحد الفلسطينيين يضاحك السائق ، و يقول له : ربنا يكرمك يا اسطى ، شغل الراديو يا اسطا ، و السائق يضحك ، كانت الطريق المؤدية إلى وسط المدينة ، مليئة بلافتات تبايع عبد الفتاح السيسي لولاية تانية ، فقال الفلسطيني ماكرا للسائق مشيرا إلى السيسي : 

ألا صحيح يا اسطا ، مين دا اللي في اليافطة دي ؟

- دا كبير الدهاشنة عندنا هنا فمصر 

ضج الميكروباص كله بالضحك ، و كانت في إجابة سائق الميكروباص ، قدر كاف من السخرية السوداء ، كي يفهم الجميع ، أنه ليس راضيا عن عبد الفتاح السيسي كرئيس ..

وصل الجميع إلى وسط المدينة ، و كانت عبارة عن محلات تجارية و مقاه كلها تقريبا بطعم و رائحة الشيشة و الأرجيلة ، و محلات تبيع التذكارات المصرية ، و لكن الأمر كان باهض الثمن ، فأجل اقتناءه للهدايا إلى القاهرة ، حيث يوجد بالتأكيد ، مجال كبير للإختيار و التنقل بين الأسعار .. بعد جولة قصيرة في وسط المدينة ، عاد إلى الفندق بنفس الطريقة ، مستقلا ميكروباصا أخر .. أعجبته التجربة ، و أضمر أن تكون جميع تنقلاته في مصر بهذه الطريقة ، باستخدام وسائل التنقل الشعبية التي يستقلها عامة الشعب من أجل أن يتعرف أكثر على الشعب المصري ...

كانت أيامه الخمس في شرم الشيخ عبارة عن استجمام صاف في المنتجع و شاطئ البحر ، كان يمضي قيلولته مقابلا أمواج البحر النائمة ، تحت ظلال مقاعد وثيرة ، فكان يشعر أنه حاز كل الراحة و الدعة هناك ، إلا أنه سرعان ما يتذكر جيران السوء ، و أن الصهاينة يقطنون معه نفس الفندق فتشمئز نفسه ، و لكن عزاءه كان ، أن الأمر الواقع يفرض عليه هذا ، و لم تزده رؤيتهم إلا اشمئزازا و حقدا ، على الرغم من محاولتهم إظهار لطفهم أمام الناس ، لا يعلم لماذا سيطر عليه هذا الإحساس ، فهو يؤمن أن كل صهيوني يعيش على أرض الأقصى فهو محتل .. 

في إحدى الليالي ، ذهب إلى متجر من سلسلة كارفور لابتياع الماء ، فدهش من الأثمنة المنخفظة بالمقارنة مع أثمنة بلاده في نفس السلسلة ، كانت الأسعار تصل في بعض الأحيان إلى النصف في الفارق ، فابتاع أربع قنينات ماء من فئة لتر و نصف و لتر من عصير العنب ، و كيلو مانجا ، و بعض الحلوى و رقائق بطاطس شيبسي ، و دفع مائة جنيه ، التي تساوي في بلاده ، 50 درهما ، أي 4.8 دولار ، و بالتأكيد لا يمكنك شراء كل ما اشتراه هو في كارفور مصر ، في المغرب .. رمقه المسؤول عن المبيعات يلتقط صورة لسعر قنينة كوكاكولا من فئة لترين فبادره قائلا : 

- لأ حضرته التصوير هنا ممنوع ، ممكن تصور السعر ، بس المنتج لأ 

- أنا آسف يا أفندم ما كنتش عارف و الله ، أنا مغربي ، و باصور السعر علشان أنا متفاجئ من اختلاف السعر بين مصر و المغرب 

- يا أهلا و سهلا أجدع ناس و الله ، و مستغرب ليه ؟ هو لترين كولا يعملو كام في المغرب ؟ 

- أربعة و عشرين جنيه !!

- إيه !! كثير يا عم 

- شوفت هههههه

- هنا عندنا لترين ب 10 جنيه ! 

- علشان كدا أنا باصور علشان أوريها لصحابي 

- هو الدولار عندكم بكام ؟ 

- الدولار عندنا ب 9.8 درهم 

- على كدا الواحد مننا لو هو عاوز يقضي أجازة عندكم في المغرب هايتخرب بيته ههههه

- الأسعار غالية هناك آه ! 

- ما هو حضرتك احنا كمان كنا نايمين ، صحينا فيوم لقينا الأسعار اتضاعفت مرة واحدة ! 

- دا التعويم !

- صح ، سياسة غبية بعيد عنك ! 

- ربنا يصلح الأحوال .

- يا رب ، عالعموم تشرفنا بيك ، و أهلا و سهلا بيك في بلدك 

-ربنا يكرمك و يشرف مقدارك ، أنا و الله حاسس إني فعلا في بلدي ، ناس طيبين قوي و الله .

- دا المفروض يا أستاذ ...

- مهدي ..

- أهلا و سهلا بيك أستاذ مهدي .. 

ودعه ، و خرج ، و أكمل جولته في المدينة الجميلة ، ثم عاد إلى الفندق .. 

قاربت أيامه الخمس الأول على الإنتهاء في أرض مصر ، و استعد نفسيا لرحلته من مدينة شرم الشيخ إلى القاهرة التي يقضي بها 8 ليال ، من المغامرة ، و كانت فعلا مغامرة جميلة جدا .. 


في غد .. وداعا شرم الشيخ 


  • 2

  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 18 شتنبر 2018 .

التعليقات

آيــآ منذ 6 سنة
الأسلوب سلس و حبيت الحوار جداً
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا