ميلادٌ أحبّه - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ميلادٌ أحبّه

  نشر في 15 فبراير 2016 .

حسناً،

أعتقد بأنّه الوقت الجيّد لأتحدّث عنها قليلاً وعنهُ كثيراً، أمّا هيَ فليست بالفتاة التي قد تجيء لتحكم على نفسها وهذا ما يجعلها الأهل للقليل، لكنّها قد تحمل الكثير مما يشتهيه الحرف.

ميلاده لم يُروى ولم يعتد أحد على المجيء للاحتفال به، لكنّه قدم هكذا في إحدى الأيّام التي لم يُعرَف طقسها ولم يُتنبّأ به فقد يكون ربيعياً في الصباح وينقلبُ في ذات اليوم إلى شتاء.

أعتقد أنّه في تلك الأثناء مجيء طفل ذكر لهو بالشيء المحبب للنفس لكن أن يجيء بعد عدّة ذكور جاؤوا من قبله ولا فتاة فلعلّ ذلك لم يكُن محبباً وهذا ما يمنح الشهر الثاني من كلّ عام الغموض والتناقض والنّقصان فأليسَ هو الشهر الناقص في أيّامه؟

كان عليه أن يكبُر كأيّ طفلٍ آخر يكبُر وينمو جسده، فبعد اللحظة التي كان فيها في جسد والدته يتغذى على طعامها ودماءها حتّى، جاء إلى الحياة وأصبح مُدركاً يستكشف أطعمة اخرى غير تلك التي اعتادها طيلة تسعة أشهُر ، وكان مستجيباً تماماً لقوانين الدُنيا: عليكَ أن تتغذّى لتكبُر، لكن ما خشيناه في أطفالنا هوَ نوعيّة الطعام الذي يُستباح لأجسادهم، في الماضي كان الطعام أقوى لعلّه، فترى العجوز تُصبح في السبعين وهي قادرة أكثر من شابٍ في العشرين، ولعلّي أعطي السبب كاملاً للطعام وعدم اليأس مما في الحياة!

المهم أنّه كبر، على ماذا تغذّى كي يكبُر، لا أعتقد بأنّ هذه التفاصيل شيّقة أو حتى تستحقّ أن تأخذَ جانباً مهماً، وإن أدركتُ في إحدى اللحظات بعض العباقرة وودتُ لو أسألهم: بعد حليب أمّك، ماذا كُنتَ تأكل؟ ويبدو أنّه كان إحدى اولئك الذي استحقّوا هذا السؤال.

حينَ يكبُر المرء بعقله فأعتقد بأنّه يتخلّى عن الاجتماعيّات قليلاً، وهذا كان نصيبه كان على لُعبةٍ في هاتفٍ يراه لأول مرة تأخذ انتباهه أكثر من مشوارٍ قصير مع والدته إلى بيت عمّه مثلاً، لذلك لا يحقّ لي وأنا أكتب أن أتطرّق بشيء من الإدانة للناحية الاجتماعية، لماذا؟ لأنّ عقله كان واعياً للعواطف التي يمكنها أن تتغيّر، فالصديق قد ينقلب بين ليلة وضحاها ليكون العدوّ الأكثر شراسة له، لذلك عاشَ وحياداً بعقله وتلك اللعبة التي أكسبته الحقّ في أن يمتلك هاتفاً في مرحلةٍ لم يكُن بها أحد يملك هاتف.

هل كبُر الآن؟

أعتقد ذلك، يبدو أنّه قد دخل مرحلة العشرين الأصعب على الإطلاق، مرحلة التناقضات والنقاشات الفكرية العظيمة جداً والتي قد تؤدي إلى قرارتٍ ليست مؤهّلة بعد، ولعلّه لم يجرّب شيئاً كي يبتدئ بأصعب القرارات على الإطلاق، هكذا يعتقد من لا يجد عقبة في عقله فيجد الآخرون عقبة له في طريقة عيشه، لا أعلم ما الذي حدث لكنّه أصبح كبيراً كفاية ليقول للعالم أجمع تُصبحون على خير هذا الوقت الملائم لنُعاسي، هذا الوقت الجيّد لأبوح فيه لليل بماء أشاء، هذا الوقت الجيّد لأنام وأغدو في الثلاثين لا أريدُ ايقاظاً من أحد، لكن لمسة واحدة كافية ليسترجع مرحلته العشرينيّة من جديد يُنادي على الحناجر قبل الأفواه فقد يتراكم الكلم في الحنجرة دون أن يُغادرها والأفواه دائماً ما تلفظُ الشيء المُغاير لما تُريده الحقيقة منه.

كان عليه أن يكبر ليسير على قوانين الدُّنيا ، لكن الدنيا لم تضع قوانين نسير عليها في طعامنا ولا حتى قوانين تجبرنا على ارتداء الحذاء المُغلَق بدلاً من المكشوف في يومٍ بارد، كلّ تلك الأشياء كانت استجابة منطقيّة لكي لا نُلقي بأنفسنا للمتاعب، لذلك كان الرحيل عن كلّ شيء في لحظةٍ فكّر فيها العقل: هل ما يحدُث من قوانين الدنيا أم استجابة لعلّها منطقيّة؟ ، وحينَ كانت الإجابة مُتعِبة كان الرحيل أسهل طريقةٍ للمواجهة.

ولعلّه في هذا اليوم سيتكوّم على نفسه من جديد، ليُعيد أمجاد تلك اللحظة التي غادر فيها جوف والدته، حين كان صغيراً جداً يستكشف النور من حوله، يبكي فقط ليقول: أريدُ طعاماً، يبكي فقط ليُخبرهم: شيء ما التصق في جسدي أريدُ غياراً أريدُ استحماماً، يبكي لفرط الإزعاج الذي تصدره جرّافة كبيرة الحجم إلى جوار المنزل، ويبكي ليقول: أريدُ النوم.

لعلّه سيتكوّم على نفسه لاسترجاع تلك اللحظات، يسترجع فيها بكاءه الأول ونومه الأول وأوّل صوتٍ دخل إلى أذنه وأول ضوء أكسبه البصر، ولعلّه سيبكي لكنّه لا يستطيع، وقد يكون ذلك داخلياً، بعد الشعور بظلمة الداخل وظلمة الوحدة وظلمة الكون.

لكنني هُنا لأقول، كان من الجميل حضورك في هذه الدُنيا الذي أكسبنا الفُرصة الحقيقيّة لدخول الفرح والانفجار فيه، لكنّ الانفجار ذاك أخرج بعض الشظايا التي أصابتنا نحنُ فلم نخرج منه بالعافية من الخيبة،

كان من الجيّد انّك حضرتك، أعتقد بأنني أملكُ ان أقول لأيّ شخصٍ في هذه الدنيا، أهلاً بك، عرّفنا على ميلادكَ كي نُخبركَ في عامكَ القادم اننا سررنا بمجيئك، أعتقد بأنني أملك أن أقول: كلّ عامٍ وأنتَ بألفِ خير وأكثر من تلك الألف.


  • 1

  • أنصار دباس
    في مُحاولة أن أكون، تعثّرت كثيراً، أكثر مما كُنت وحين أكون لا يبدو لي الأمر مُشتهىً تماماً كما كُنتُ أفعل المستحيل كي أكون ذلك الذي أكونه في حينها.
   نشر في 15 فبراير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا