إن روعة البيان وسحر الكلام ليعجزان عن التعبير في هذه القصة التي مرت على منصتي ولم تغادر تفكيري، لذا حاولت جاهدة استخدام عقلي الذي رزقني الله ليمد لساني بالكلام ويترك العنان لقلمي صارخا بكلمات رنانة معبرة.
بلسان فتى:
"مما لا يخفى عنا جميعا أن كلمة الأم بحروفها البسيطة، لها معاني كبيرة. لقد حرمت من نطق هذه الكلمة عندما كان عمري ثمان سنوات، آنذاك انكسرت زجاجة روحي وأدركت عندها أن الموت ليس توقف نبض القلب فقط بل وتوقف نبض الحياة في قلوب لازالت على قيدها.
لقد رحلت يا أمي دون تذكرة عودة، لقد زارك الموت مرة ولكنه كان ولازال يزورني كل ليلة حتى أقلع النوم من أجفاني؛ ما أشد وطأة فراقك يا عزيزتي فرحيلك أخذ حيزا كبيرا من تفكيري كما أكل الكثير من مراحل حياتي.
يا وردتي التي ذبلت في دنيا حياتي ففي كل لحظات حياتي أشتاقك حزني، فرحي ونجاحي أحتاجك ولا ألقاك؛ آه لو تعلمين كم صعب علي الشوق لشيء لايمكن أن يستعاد! أتذكر حين كنت تقولين لي استغل الوقت ونحن معا فيوما ما لن تجدني، فعلا يا أمي لقد أتى اليوم الموعود ولم أجدك أمام ناظري يا منبع حناني؛ لكن يا أمي كما يقال إذااختفت النجوم في وضح النهار فذلك لا يعني فقدانها لمعانها ليلا، أنت كمثل شمعة وسط صدري ومنيرة لطريقي فلقد ظل شبحك مطاردا لي. لماذا الناس الذي يتعلق قلبي بهم دائما ما يرحلون في طريق لا تعرف العودة؟
لم أتخيل يوما أنك ستصبحين منهم، بعد رحيلك صرت أنتظر مماتي بشغف لألقاك يا نجمة سمائي وأخشى الحب في محياي لكي لا يتعلق قلبي كثيرا، فصمتي أصبح لغتي ونيتي التي لا تدركها الا نفسي، الصلة التي ظلت بيننا هي فقط ذكراك فلقد كنت لك حياتك و كنت لي وجودي. فإذا ذهب وجودي فأي مصير سألقى يا ترى؟
رغم كل شيء استسلمت لمصيري وظللت أواجه خضم الحياة القاسية في زمن الأنانية وحب الذات؛ لم أجد أحدا يفهمني ويرعاني فأبي الذي كنت أنا ثمرة حبكما وحسبته ملاذي الأخير وحضنا ما بعد حضنك، تزوج امرأة أخرى وأقفل باب الحب في وجهي ونقلني إلى دار الايتام اليد التي ساعدتك على رعايتي يوما يا فقيدتي أخذتني إلى مقبرة آلامي وإلى درب معاناتي. لقد نجح أبي في تجاوزماضيه بما فيه أنا، ألم يكفه ما كنت أعيشه بعدك زادني جرحا أعمق!
آه يا أمي لقد تركت فراغا بل وفجوة كبيرة في حياتي الله من يعلم لهفي للقياك مجددا يا ليتك عدت، يا ليت الموت لم ينزعك مني، لكن ليس بيدي حيلة فلقد اختارك الله فوق سبع سموات فهو ملك الملوك. أحس بالاختناق لأنك هوائي يا أرحم الراحمين فكيف ستندمل جراحي؟ لقد حرمت من طفولتي بل وضاعت في عالم لا أعرفه ولم أألفه مسبقا في مخيلتي، حزنت حتى وصل الذعر أعماقي، وتشردت نفسي، تجرعت من قارورة الألم وأكلت من صحن اليتم حتى فاقمت أمواج الخوف صدري، وخرقت رصاصة الضياع قلبي، أضحى لي العالم كثير وأنا لوحدي وبت لا أعرف لحضن من ألتجئ.
في نهاية المطاف رضيت بما قدره الله لي، رميت أحزاني في بقاع بحر آلامي، وطرقت باب النسيان لعله يكون المفر الوحيد لمناجاتي، وتعلمت أن الحياة تدفع بالضعيف إلى الغرق في أدق تفاصيلها ويصبح داخل متاهة؛ لذا يجب الصمود في وجه كل المحن والمصائب وعدم البوح والتوكل الاعلى الله وحده فهو مداوي القلوب. الام تعطي الأمل في استمرار الحياة ويقال إن الحياة أمل إن فقدت الامل فقدت لذة الاستمرار، فأمام هاتين المعادلتين يجدر بي أن أقول: فيا يتيم إذا رحلت روح فلن تعود واعلم أنك لازلت على قيد الحياة، فانس الشطر المؤلم من ماضيك وعش حاضرك بدهاء لكي لا تغير من ملامح مستقبلك، فقطار الحياة مستمر ولن ينتظرك."
انتهيت من سرد قصتي، انتهت كلماتي ولكني لم أنتهي من أفكاري، بذلت مجهودا لتصل كلماتي مسامعكم وتشعر بها قلوبكم فأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم.
-
وصال الخمتانيافعل ما يعجبني و يعجبني ما افعل
التعليقات
مقالة رائعة تخاطب الوجدان استمراي
وأرجو لكي كل التوفيق أختي وصال
كنتِ موفقة باختيارك للمقدمة،
بالمحصلة، لا تبقى إلا الحقيقة وإن كانت مؤلمة إلا أنه ينبغي ان تكون القاعدة الثابتة التي يجب الإنطلاق منها وهي :
"فيا يتيم إذا رحلت روح فلن تعود واعلم أنك لازلت على قيد الحياة، فانس الشطر المؤلم من ماضيك وعش حاضرك بدهاء لكي لا تغير من ملامح مستقبلك، فقطار الحياة مستمر ولن ينتظرك.".
نص جميل
مع التحية
ثانيا: بالفعل لقد وصلت كلماتك الي مسامعنا وشعرت بها قلوبنا ... موفقة دائما وصال في كل ما تكتبيه .