وحدثت المعجزة..! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وحدثت المعجزة..!

~ حين نجعل الجهل إلـهـا..

  نشر في 07 شتنبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كان البروفيسور يشرح لأحد الطلاب نظرية ما، مستخدما عددا من المعادلات الرياضية ليبرهن عليها، وفي وسط ذلك البرهان الرياضي، توقف قائلا: "ثم حدثت معجزة!" وأكمل كتابة المعادلات، بعد أن ترك فجوة في المنتصف بلا تفسير.. هنا استشعرتُ إشارة إلى مصطلح «إله الفجوات».

فما هو إله الفجوات؟!


قبل أن أخوض في توضيح معنى هذا المصطلح، علينا أن نذهب أنا وأنت في رحلة نحو الماضي، وقت العصور الوسطى.. في ذلك الوقت، لم يكن العلم متقدما كما هو الآن، فلذا كانت هناك أمور كثيرة مبهمة لم يستطع أحد إيجاد تفسير لها، كانوا فقط يكتفون بقولهم: "الرب فعلها.."؛ حتى أنهم لم يمتلكوا الجرأة على الخوض في تفسير تلك الأشياء علميا، لاعتقاد ديني عندهم بأن هذه مخالفة لإرادة الرب! ومع مرور الوقت بدأ العلم يتطور باحثا في كثير من الأمور الطبيعية، إلا أن كثيرا من المتدينين حينها ظلوا على ما هم عليه مستنكرين هذه الأفعال الشنيعة التي تغضب الإله!!

ومع مجيء القرن التاسع عشر، صاغ المحاضر المسيحي (هنري دروموند) هذا المصطلح. «إله الفجوات | God of the gaps».. منتقدا بهذا أولئك الذين يملؤون الفراغات والفجوات التي تقابلهم عن طريق الإله والتفسيرات الميتافيزيقية. وهكذا انتشر هذا المصطلح بين كثير من رجال العلم منذئذ..

والحقيقية أن كثيرا من المؤمنين، يؤمنون بهذا الإله، وهم بهذا يتخذون الجهل إلهًا يعبدونه. ومن هنا علينا أن نذهب في رحلة أخرى، وستكون وجهتنا هي تلك الفجوات.. فبما أن الإله هو ذلك الموجود في تلك الفجوات المعرفية، فهذا يعني أننا في طريقنا نحو رؤية الله! ها، هل تحمست؟ هل هذا يعني أنك ستأتي معي. حسنا، هيا بنا..

ها قد اقتربنا من إحدى تلك الفجوات، وهي فجوة الأوبئة والأمراض. دعنا الآن ننظر بداخلها عسانا نرى الله فيها. لكن لحظة، ما هذا؟ نحن الآن نرى داخل هذا الفجوة – جرثوماتٍ! فغالبا ما يكون المرض بسبب الجراثيم والبكتريا والكائنات الغير مجهرية. إذن فليس هناك فجوة ولا حاجة، وبما أن الرب يسكن تلك الفجوات، فماذا لو لم يكن هناك وجود للفجوات أصلا؟ ها، ماذا يعني؟ هل هذا يعني أن...!

&&&

الحقيقة أن العلم يقتل تدريجيا إله الفجوات هذا.. فإن كنت من أولئك الذين يعبدون هذا الإله، فإني أقدم لك عزائي آسفا من أجلك. وأنوّه هنا إلى أن كثيرا من العلماء يؤمنون بأن كتاب داروين (أصل الأنواع) قد قضى تماما على هذا الإله.

هل هذا يعني أن العلم قد قضى على الدين؟

الأمر يعتمد على نوع الإله الذي تؤمن به؛ فإن كنت فعلا تؤمن بالإله الذي ذكرتُه، فيؤسفني أن أجيبك بنعم. لكن هل هذا هو الإله حقا؟.. في عام 1978 تحدث الفيزيائي "ريتشارد بيوب" في كتاب له – عن إله الفجوات بشيء من التفصيل، حيث رأى أن أحد الأسباب الرئيسية للصراع المعاصر بين العلم والدين يرجع إلى تقلص إله الفجوات بشكل ملحوظ مع التطور العلمي. لكنه وضح أن هذا ليس له علاقة، مطلقا، بإله الإنجيل الحقيقي؛ أي أنه لا تعارض بين العلم وفكرة وجود الإله المطلقة، وإنما السبب يكمن في عدم فهمنا الكامل لفكرة وجود الله.

ويجب التنويه إلى أن أول من أطلق هذا المصطلح أصلا لم يكن مقصده نفي أو إثبات وجود الله، وإنما كان السبب هو سخطه من أولئك المتدينين الذين يجعلون الفجوات المعرفية دليلا على وجود الإله الخالق لهذا الكون! يجعلون الجهل هو الدليل الذي يثبت وجود الرب!

فأود أن أقول للمؤمن الذي يقرأ الآن: كونك مؤمنا يقضي بأن تعتقد أن الله قد خلق كل شيء، وهذا ليس أمرا خاطئا. لكن الخطأ الكبير هو أن يجعلك هذا لا تكلف نفسك بالبحث عن الأشياء التي تجهلها مكتفيا بقولك: الله فعلها.. بل وحتى أن تخاف البحث!

وبصرف النظر عن صحة الأديان أو لا، فهذا ليس موضوع نقاشنا، عليك أن تكون متأكدا من أن الأديان لا تمنع أبدا من البحث واستزادة العلم. بل إن المعروف هو أن التعلم في الأديان يعتبر عبادة وتقربا من الله.. وليس عيبا أن تكون هناك أشياء نجهلها (فجوات)، لكن العيب كلّ العيب هو أن نعتبر هذه الفجوات دليلا على وجود الإله.

فنحن بذلك نتخذ الجهل ربًـا..!


  • 14

   نشر في 07 شتنبر 2016  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا