أبي... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أبي...

لعلّي بتلك الكلمات أعبّر عن بعض ما تطويه صفحات القلب .

  نشر في 20 فبراير 2017 .

منذُ نعومة أظفارنا لطالما سمعنا ما يُبكينا من الأغاني والأناشيد وما أطرب قلوبنا من الأحاديث عن الأم ولكن نادراً ما تسمع نشيد تتمحور كلماته حول فضل الأب أو حديث الصباح في طابور المدرسة يتغنى بفضل الأب.
فلم يتطرق ذهن هذا الشاعر لنسج أبيات عن حب الوالد أو ما شابه ، ولم يلبث هذا الطااب سوى أن يختار موضوعاً عنوانه "أحببت أمي"!
لعل الوالد مهضوم الحق ، فلم نوفه حقه الكامل ، فها أنت ذا ترى يوماً للأم ولم نسمع قبل ذلك عن يوم للأب !
باختلافي عن تخصيص يوم معين ، فأنا أرى أن شروق كل يوم بوجودهما هو عيد لك لا يقتصر على يوم يحدده بشر ، فشروق يومك بوجهيهما هو أعظم عيد .
ولكن قارئي العزيز لا تُسئ فهمي ، فلا يتردد في ذهنك أني أقلل من شأن الأم حاشا لله ، فلا ينكر فضل الأم سوى جاحد ، أسأل الله أن يجعلنا من البارّين بهم .
ولكن لعل للوالد فضل وإن كان يراه البعض أقل من فضل الأم ، فالأم هي من حملتك تسعة أشهر ووضعت وربّت ، ولكن ذلك لا ينفي تماماً فضل الأب ، وإن كان ضئيل في بحر نظيره لدى الأم .
لعلي سأخص بالذكر في هذا المقال أبي ،فأبي وإن كان في ناظري لا يوجد مثله في العالم كله فأعتقد أن كلاً منّا لديه ذلك الأب الذي لا يوجد له نظير ، فكل منا له فارسه الخاص !
فإني أرى أبي سند وقوة لا تنفذ ،فها أنت عندما تعصف بك الحياة وتشد حبالها حول عنقك تكاد تنهار ، حتى يأتي ذلك الفارس المقدام بالذود عنك أمام جماح الحياة ، فقد وهب الله هذا الفارس قوة لم أرَ مثلها يوماً ،قوة متجددة لا تنضب ،لا تدري من أين له هذا!
أخبرني ،عندما صدمت سيارتك في ذلك الحادث بمن استنجدت أليس بوالدك ؟
أخبرني عندما ضربك زميل لك في الصف ألم تستغث بوالدك !
فيمكن أن نستعيض عن الأب بقول هو خط الدفاع الأول أو هو درع واق لك ، درع للحماية من رصاص العدو ، هل يمكن للمحارب أن يستغنى عن درعه ، هيهات ، هيهات !
فعندما تفقد والدك ، ستفقد ذلك الدرع الواق ، ولك أن تتخيل كيف للمحارب أن يفقد درعه ،لك أن تتخيل كيف أن رصاص الحياة سينفذ إلى قلبك مباشرة ، أدام الله دروعنا .
صدق من قال أن الوالد سند وقوة ، بل زاد و وقود وأمن وطمأنينة واطمئنان
، وكل مرادفات تلك الكلمات ومرادفات مرادفاتها لا تكفي !
سأظل مهما ترك الزمان من آثاره على وجنتي وجبيني في ظل أبي طفلة صغيرة ،وذلك لأن عينيه مازالتا تراني كذلك ،وكأن عينا والدي قد حجب الله عنهما رؤية تلك الآثار وكأنهما قد توقف بهما الزمن ،ليراني أبي صبية رغم شبيبة العقل والجسد .
فها أنا قد اقتربت من العشرين ومازالت نظراته القلقة أراها تتردد يمنة ويسرة عند عبوري الشارع ،مازال قلبه ينبض بشدة عندما يزورني المرض ،فما أن يرى الألم يغزو أحشائي حتى يتألم أضعافه ،وأكاد أرى تلك الكلمات التي خَطّت على وجهه وأسمع قلبه يتمتم بها (يا الله فلتشفي هذه الصغيرة وسأدفع الغالي والنفيس وإن كان المقابل جسدي ).
مازال أبي يصيبه الغضب وكأن صاعقة ضربت قلبه عندما يرى أدمعي تنهال على جفني وتتولد لديه رغبة بعصف كل من كان سببًا في ذلك ، مازال أبي يوصي سائق الحافلة أن يوصلني بسلام إلى جامعتي ، فأكاد أرى نظرات السخرية في عين السائق ولكن ذلك لم يزد قلبي سوى فرحةً تهز أوتاره !
صدق من قال أن حذاء والدي عند الباب طمأنينة لا يضاهيها طمأنينة .
أبي وإن كان يقسو علي حينة وأخرى ولكني أعلم أن القوة المحركة لهذه القسوة هي أن أكون في أبهى صورة ، هي أن أكون ذلك الفرد السوي ، وإن غضبت يوما لقسوته فلا يمض الكثير حتى يبرهن لي الدهر كيف أن أبي كان على حق ، ويقسم لي أن والدي هو ممحاة أخطائي ، ومسطرة حتى أستطيع أن أخط بقلمي مساراً لحياتي .
ها أنا أخطئ وأنت يا أبي تصلحني ، ها أنا أخطئ وأنت يا أبي بكل طريق تحاول أن تقومني، لتجعل مني ذلك الشخص السليم .
لا يمكنك أن تخطو خطوة مصيرية قبل أن تستمع لرأيه ، فأشعر أن عقله قد ألهمه الله الصواب ، وعيناه قد وهبهما الله القدرة على تمييز الطريق الصحيح من الخاطئ،و قلباً يشعر بالخطر وإن كان بيني وبينه ما بين المشرق والمغرب !
أبي هو بوصلتي للطريق الصحيح ومتكأي طوال الدرب، وملجأي عند الكرب ، ودرع عند الحرب وأمان عند الخوف ، أبي حياة للحياة.

ان استحالت أشجار الأرض أوراقاً وأقلاماً ما وفيناهم حقهم ،أبي أدامك الله لي وأدام الله كل والد سندًا لأولاده ، ومنبعٍ يستمدون قوتهم منه.



  • 4

  • Maryam Taha
    طالبة بكلية الطب ، أهوى الكتابة شعراً ونثراً ، لي آرائي الخاصة التي أحب أن أبرزها للعيان بشكل بلاغي ..
   نشر في 20 فبراير 2017 .

التعليقات

بسمة منذ 7 سنة
دام قلمكي ...
1
Maryam Taha
شكراً شكراً ..

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا