لم تكن تتحمل مذاقه في كل مرة تُضطر إلى تجرعه رغما عنك حتى إذا مرت الأيام وشفاك الله مما أصابك بفضل هذا الدواء المر عدت إما غافلا عن إدراك حلاوة مرارته الآجلة التي استمتعت بها ألا وهي شفاؤك أو عدت يقظا مدركا لما حمله هذا المذاق من ثمار خفية أدركت بقلبك طيب مطعمها بعد حين .
أي مرارة أتحدث عنها؟؟ إنها البلاء..ليس له زي ثابت يأتيك مرتديا إياه فقد يكون إخفاقا شخصيا، فقد عزيز بفناء روحه أو موت قلبه، قلق من مجهول قادم ، خوف من فشل متوقع..إلخ.
تعددت الأسباب ومرارة البلاء واحدة لكن آثاره مرهونة بنظرتك إليه ومدى فهمك لحكمته الخفية فقد تسوقك مشاعرك إلى الغفلة وقد يقودك عقلك إلى الفهم الصحيح فاختر أيهما تود أن تكون الغافل أم اليقظ؟؟
أما الغافل فهو الساخط على قضاء الله الذي هو خير بلا ريب وإن لم يرشده عقله إلى إدراك مراد الحكيم منه لحظة البلاء فقد اعتاد على الشكوى من نفسه ومن الخلق ومن الحياة بأسرها وكأن ليس على الأرض من هو أسوأ منه حظا، محجوب عن رؤية نعم الله عليه وإن أسبغ فيها.. لا يشكو إلى الناس سوء أحواله ليقدموا له يد العون بل يكفيه ما يراه في أعينهم من نظرات شفقة تدفعه دفعا ليتقن دوره البائس"الشكاء البكاء دوما" وقد تدوم تلك النظرات إلى أجل غير مسمى وقد تنقلب أحيانا في أعين البعض إلى ضيق وملل من طول الإستماع إليه فيحرز بها أيضا فوزا عظيما حيث يشعر حينها بقوة تأثيره النادرة بفضل طاقته السلبية الوافرة التي لا يسلم منها إلا من عافاه الله تعالى من شر هذا الإنسان فقد جعل من نفسه وباء يفر منه من يريد السلامة لنفسه ويأنس إلى وجوده وصحبته من خسر كل شئ وافتقد قيمة الحياة ولا يرى من الإنتحار بدا.
أما اليقظ فهو الحكيم الذي حمد الله حين تناول الدواء بصدر رحب ونفس مطمئنة وقلب ثابت ولسان شاكر فلقد أدرك أن في البلاء الخير الكثير فهو إختيار الله له وما تحلو الحياة إلا به ففي البلاء تُنقى نفسه من آثام غفل عنها لمضى زمن بعيد على اقترافها أو تناسى عواقبها ساعة عصيانه حتى إذا ما إبتُلي تذكر ما كان منه فندم وعاد إلى الله.
وقد يكون في البلاء ترقية لنفسه ورفعة لشأنه في الدنيا والآخرة لاسيما إن إشتد عليه وكان صبره وإحتسابه ورضاه عن الله أضعاف ما لاقى من الشدائد فيكون البلاء حينها حجة قوية وعلامة جلية على صدق إيمانه وقوة يقينه وحسن ظنه بربه.
وقد يأتي البلاء ليعيد إستكشاف ذاته ويكتسب ما افتقده من مهارات حياتية لم يكن ليتعلمها ويدرك مدى نفعها إلا في وقت الشدة فكم من مدلل فقد من تواكل عليه وبصَّره ألم فراقه بعيبه الذي حُجِب عنه بيد الفقيد وكم من سجين منعته أسوار محبسه عن رؤية الأحبة فقرر أن يحيا كطالب علم يواظب على إستقراء تجربته بإصرار بالغ وصمود منقطع النظير سعيا منه للتعلم وإكتساب الخبرة وتقويم النفس..وكم من مسافر آلمته سنون الغربة عن وطنه فجعل من الألم حافزا لبناء ذاته وتحقيق أهدافه وإحراز النجاحات المتوالية فعاد إلى بلاده ثابت الخطى مرفوع الرأس .. وغيرهم كثير.
هل أدركت حلاوة الدواء المر فكنت يقظا حكيما أم ما زلت تعاني من مرارته وصرت مستمتعا بالشكوى من مذاقه فظلت غافلا؟
-
علاء صلاح الرفاعيكاتب إذاعي ومعد برامج بقناة أراك ميديا بالعربي على اليوتيوب ،المنسق الإعلامي لمبادرة دعم المحتوى العربي على الإنترنت برعاية إتحاد أراك "سابقا" ،،، كاتب إذاعي بإذاعة البرنامج العام ،كاتب في موقع مقال كلاود