مصر بين الحل الاجتماعى الذى يطالب به المثقف والحل الأمنى الذى لا يعرف غيره السياسي ورجل الأمن!
حوار بين المثقف والسياسي
نشر في 12 فبراير 2023 .
يقول الأستاذ هيكل: عندما انطلقت مظاهرات الطعام ١٩٧٧، كنت مختلف مع الرئيس السادات، وفوجئت بمكالمة منه على غير انتظار:
هيكل - أهلا يا أفندم.. أتمنى ألا تكون متضايقاً.
السادات- هو ده ما كنت أقوله لك دائماً یا محمد.
هيكل - إيه هو؟
السادات - مراكز القوى أهم اتحركوا تانى.
هيكل - اعمل معروف، لا داعي لاستدعاء أشباح نسيناها.
السادات- لا.. لا.. يا محمد..

وبدأت أشرح وجهة نظري الاجتماعية في تفسير المظاهرات، وبعد أن انتهيت قال:
- ما فهمتش حاجة.. أنت جرالك إيه؟ صدیت ولا ايه ؟!
لم أعلق
- قال: عايزك تفكر.. وحنتكلم.
مساء نفس اليوم ولكن في بيتي لقيت منه مكالمة أخرى، قال فيها:
- أنا قلت لسيد (يقصد سيد مرعي) يعدى عليك يعرف أفكارك.
قلت له: الحكاية ليست حكاية أفكار.. القضية تشخيص ما حصل تتوصل لعلاج مناسب.. وأنا شايف ما حصل هو «ظاهرة اجتماعية».
قال: لا. لا.
قلت: نحن بصدد اتجاهين للتفسير.. اتجاه «اجتماعی» واتجاه «أمني».
ورحت حوالي الساعة أشرح ما أعنيه، وكاد السادات أن يقتنع بأن الأزمة إجتماعية.. ثم قال:
- أنا غداً سأجتمع بمجلس الأمن القومي.. وسأتصل بك قبل الاجتماع.
في اليوم التالي عندما كلمني قبل الاجتماع بدا قريباً من وجهة نظري.. وكان ذلك في الساعة العاشرة صباحاً.
ولكن بعد الاجتماع وفي الساعة السادسة مساء، مر علي سید مرعی، ليقول لي:
لا تضايق الرئيس ولا تلح عليه بما عندك.
ثم كلمني السادات من جديد وقال:
محمد.. أنت عايزني أصدقك وأكذب اللي شايفه أمام عيني؟
قلت: إللى هو إيه؟
قال: مؤامرة مفيش شك، فيها شيوعيين والروس وكله وأنا مش واخد بالى.. أنا هضرب الكل.. فكرت.. فكرت یا محمد؟
قلت: «لقد قلت إن القضية قضية تشخيص، والتشخيص هو الذي سيحدد العلاج. أما وقد وصلت لتشخيص أنا غير مقتنع به إذن الحل ليس بيدي وإنما بيد صاحب التشخيص».
قال: «أنت عايز تفرض على رأيك»؟
قلت: «لا طبعا لكن أنا بقول إن أحسن من يخدم سياسة من هو مقتنع بدواعيها.. أنا غير مقتنع بأنها مؤامرة.. أنا مقتنع أنها انفجار اجتماعی.. وإذا كان رأيي سلیماً يبقى العلاج اجتماعی»..
وإذا كان التشخيص أنها «مؤمراه» يبقى العلاج «بالضرب»، وأنا لا أدخل في الضرب.. فهو ليس من اختصاصی
- قال: أنا كنت متصور أنك ستكتب الكلام الذي سأقوله.
قلت: إذا كنا مختلفين، فكيف سأکتب؟
- قال: وقد استبد به غضب مفاجئ طيب.. شاکر يا محمد.. كتر خيرك.
ولا زال الجدل دائر حتى اليوم، بين «الحل الأمني» الذي أصر عليه "السادات" و«الحل الاجتماعي» الذي نادى به "هيكل"، و بين قلم الكاتب ورؤية المثقف وعنف وعسف السلطة وإسار السجان تقف مصر بين الحرية والطغيان بين العدل والظلم بين الظلام والنور.
وذلك هو الصراع الذى تخوضه مصر فى الأمس واليوم والغد..