لا اهلا ولا سهلا بك ايها الفضولي ، بل سحقا لك وتبا .  لماذا انت هنا الان ؟ حتي تعرف قصتي ؟ هل فضولك اوصلك الي ان تعرف قصة جرز؟ يا لك من تافه وسطحي . هل غرك العنوان ام جذبتك الصورة . لا علينا فانا في الاصل وفي كل وقت انظر اليك باستعلاء واري انك ادني مني بكثير .يكفيني نظرة الخوف في عينيك مني وارتعاشة جسدك وانت محصور بيني وبين هذا الحائط العفن القديم 

ولكن دعني اسألك سؤالا ، ما الذي اتي بك الي قبو مكتبتي ؟ الم تكفيك الاف الكتب بالاعلي فجئت الي قبوي تبحث عن كتب اخري ؟ اجيبك انا ، انت ساذج تبحث عن شئ اخبرك احدهم به لا يوجد بالاعلي فاتيت تبحث عنه بالاسفل ، لا لتعرف ولكن لتناظر به هذا الصديق الاكثر سطحية منك. 

لا تنطق ولا تدفع عن نفسك ظنوني فهي ليست ظنون اني اقول الحقيقة . هل تعرف ايها الكريه انك غبي ، نعم انت غبي. لانك تسير مسري القطيع تفعل ما يفعلون . انك هنا من اجل كتاب كل مبتغاك منه ان تظهر بصورة اكثر مثالية ، انكم بالاعلي تودو لو تكونو كاملين بدون اي شوائب او نواقص . ان عالمكم هذا حرمني حقي في ان اكون منقوصا في ان اكون ارضي ولست ملاكا سماويا .

دعني منك فانت ادني من ان اهدر وقتي الثمين معك . حسنا تريد ان تعرف عني انا وكيف اصبحت واعيا اليس كذلك؟ حسنا فلتعلم ايها المخلوق العادي اني كنت مثلك يوما "انسان" ، وكنت مثلك مدعي بما ليس في وكنت حريص علي الالمام بكثير من العلوم والخبرات والاداب .انا افهم الرياضيات والشعر والتاريخ والجغرافيا وعلوم النفس والفلسفة،انا اعرف في الرياضة بانواعها ، والدراما وفنونها ، انا اعرف رقص التانجو والزومبا والسامبا دون ان امارسها ، انا اعرف عن الاديان ومقارنتها، انا اقراء النوتة الموسيقية بكل سهولة دون ان اعزفها ، لقد كنت في يوما سلة معارف وكنت امشي الخيلاء مثلك ظنا مني اني الافضل . كنت الاقوي والافضل والاحسن وانا بين كتبي ومعارفي . ولكن عرفت الحقيقة حين اكتويت من عالمك هذا ، من صنوف بشره ، من عقول اهله ، من قلوب قاسية متحجرة . استهلكت واستنفذت ، هرمت في غير اواني ، ملئت بجروح لا زالت تنزف من روحي قبل جسدي. عفوا لقد طال بي الحديث ونسيت ان العنك انت وهم . اعذرني ايها الفضولي اذا نسيت ان اسبك او اهينك بين كل كلمة وكلمة ، ولكن دعنا نتفق اني وضعتك فعلا باناء لا ينضح الا بكل ما هو مهين ودنئ .

لقد اعيتني قلة الحيلة ونفاذ طاقتي معكم بني الانس . فانسحبت الي قبوي هذا وانسليت مرة تلو المرة منكم ومن عالمكم ، من كلامكم الزائف ومن افكاركم المضطربة . لقد تخليت عن كل ما يجمعني بكم ، اني الاثبات الاوضح لنظرية دارون عن التطور ، اني انسان تطور الي جرذ. هلمي ايتها المحافل العلمية ولتري الاثبات علي جنون دارون ونتشيه . نعم نتشه ، فالبقاء للاصلح وانا الجرز اصلح منك ايها الانسان .

ان حياتي في قبوي ما اسهلها فانا اتغذى علي العفن حينا ، واهرب من عصا احدهم حينا ، واقراء في معارفكم حينا فلا ازداد الا يقينا باني كوني جرذ هو افضل قرارات حياتي. ان دستفوسكي وشيخون وسارتر ومصطفي محمود والعقاد وابن رشد ، ذكرو لكم هذا ، ان الجرذ هو تطور لكم ولكنكم ابيتم واستكبرتم .

ان حياتي بسيطة هنا يا فضولي ، اني اجري ثم اجري ثم اجري ، هربا من شخص مثلك اراد ان يقتلني لا لشئ سوا ان جرذ، لقد تم ضربي الاف المرات من من هم مثلك . ونجوت وكنت مرتاح البال ، لم اكن مثلك غاضبا اريد ان ارد الالم بالالم ، فانا جرذ واعي افكر الاول ، هل من العدل ان ارد الالم بالالم ، اليس من حقكم انتم ان تؤلوموني . هل ضربتي لكم ستوجعكم. اني اذكي منكم كلكم . انا احيط نفسي بكل هذه الاسئلة فانسحق بها وادور في فلكها فانسي المهانة وابدلها باحتقار نفسي حين اجيب علي كل سؤال .

هل تعلم ايها النكرة رغم هروبي من عالمكم المستعر الي قبوي الهادئ فاني لم اسلم منكم. حتي روحي روح الجرذ ازيتموها. 

في مرة من مرات الهروب والمناورة ممن هم مثلك قفزت الي بقعة كدت اهلك فيها . فهي بقعة سامة محاطة بنيران و مصائد معدة لتفتك بي. وقد بلغ بي الجهد الجهيد  منتهاه . فاغمضت عيني وسلمت امري .

استيقظت من اغمائتي لاجد نفسي بين يدي فتاة صغيرة تحيط بي من كل جانب تربت علي وتخفف من جراحي ، كنت خائفا ولكني لا اهرب ، كنت حائرا ولكن احاطة يديها كانت اشبه بالغيوم  ورقتها، فانا ريشة ارتفعت الي الي اعلي الاعالي ولا تخاف الوقوع .

سالت نفسي ، اهي الجنة ؟ لا فانا لم احاسب ولم اقف علي السراط ، ولم اري منكر او اجيب علي نكير 

اذا فهو قبوي ولكن كيف اضاء وانار هكذا ، كيف اصبح مبهجا ، كيف اصلا اصبحت انا مبتهجا و فرحا . انا جرز واعي واعرف ان هذه سمات من الاوعي . 

عرفت منها انها كانت مخلصتي من عسرتي ، وان هذا ليس قبوي ولكن دنيتها هي . دنيا هي عكس قبوي تماما ، دنيا كلها فرح وطمأنينه وسكينة . 

ومرت الايام تتلوها الايام والاسابيع تتلوها الاسابيع وانا بعيدا عن قبوي وعن "وعي"  ، نلهو ونفرح ، "وضحكنا ضحك طفلين معا فعدونا فسبقنا ظلنا" . الي ان سيطر علي "الاوعي" واصبحت شبهك ايها الانسان الهش الاواعي، واردت ان ارجع عن تطوري واكون مثلك "انسان"

طلبت منها ان تقبل راسي حتي ارجع ثانية انسان ، مثلما فعلت الاميرة مع الضفدع فاكون اميرها . نظرت الي وقالت اي انسان تريد ، انت جرذ. تعجبت من حديثها عن اي شئ تتحدث ، نعم انا جرذ ولكن انا "جرذ القبو الواعي" ، اخبرتها بذلك وباني جرذ واعي . استدركت نعم انا اعرف ولم انكر انك واعي ، ولكنك ايضا جرذ ولست انسان .

هنا ذهب "الاوعي" هنا اختفت المخمليات و الانوار ولين الحديث من مسامعي ، عدت الي قبوي وظلمته وعفنه ، شعرت ثانية ببرودة القبو وتعاسته. 

هنا رجع الي كل الوعي بل زاد وعي وادركت ما لم اكن ادركه . فهذا ليس "قبوا" . انه " قبرا" نعم انا "جرذ القبر الواعي" ولا ابتعاث له الا في قيامته