لمن أدين بالاختناق ؟
في وقت ما ، عندما يكون الشخص يائساً وهشاً كجناحي فراشة..
نشر في 11 يونيو 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
بدا كل شيء باهتاً، مقيتاً بلا أدنى مثير لأن يتنفس أحدهم كي يعيش. الجو خانق والرغبة بدفن نفسي في مكاني هذا تساورني كحاجة ملحة. هنالك الكل جالسون كأنهم لا مبالين بما تمليه عليهم هذا الرغبة الجارفة؛ بأن يختنق أحدهم فجأة ويموت، لولا ما ينتظرهم خارج هذا المترو لكان تنفيذ تيك الرغبة أمر يسير.
وجوههم مثل لوحات لبيكاسو لا ملامح معينة إنما أشكال تكعيبية مشوهة فحسب. الجو خانق لكن ليس كفاية لأن يقتلني وهذا ما يخنق حقاً! لا أكسجين ها هنا، فالكل يتنفس من ثاني أكسيد الكربون الذي يصدره من بجانبه وهكذا. ماذا لو توقف من بجانبي عن التنفس؟ هل من الممكن لهذا الصبي اليافع المليء بالحياة أن يموت فجأة. قميص أصفر وملامح دقيقة وبشرة غضة. كما يبتسم من حين لآخر وهو يتفقد ما بهاتفه. يبدو بأن الحياة تحبه، لذا لن تتركه على حين غرة في مكان بائس كهذا، على الأقل ليس الآن.
قد تتوقف من بجانبه! عجوز في منتصف العشرينات. لديها عينين مبطنتين فقدا بريقهما منذ زمن سحيق. كما ترقب من حولها شزراً كأن هنالك سمكة ميتة في خياشيمها. تبدو متأهبة للبصق على وجه أحدهم، وهي تود ذلك بشدة. مالذي ينتظرها خارج محطة المترو؟ تسديد ضرائب؟ البحث عن عمل لا تضطر فيه للابتسام للزبائن؟ أم فقط إخراج القمامة؟ إذ لا عجب تعتليها هذه النظرة المشمئزة من كل أمر، ومن الحياة ذاتها. ولكن عزائي لها فالحياة لا تتخلى عمن هم يمقتوها بشدة بل تتشبث بهم أكثر .
ربما العجوز الأخرى إلى جانبها! منمقة أربعينية ترتدي نظارات كلاسيكية وتبدو للتو انتهت من تمثيل شخصية في فيلم ما. أو خرجت من دار أوبرا. تجيل نظرات واعية على من حولها، تتفقد فيها ما إذ كان أحدهم مهتما بكم تبدو مختلفة ومثقفة. فهي تمسك بكتاب أدبي. هل تحاول فهم الحياة مثلاً؟ حبها؟ أم مجرد التعايش معها؟ لو كلفت نفسها العناء وتأملت فيمن هم حولها لفهمت الحياة. لو أرعت انتباها لكم هو الجو خانق ها هنا أو للرغبة الحثيثة في خنق الفتاة البائسة إلى جانبها. وقتها سأكون بخير. ربما كلنا سنكون كذلك. ولكنّي في النهاية أصل لمحطتي.
-
الهنوف المقبل .أكتب من فترة لأخرى ما يعن لي من فلسفات حياتية .