من واجب الساعة على المصلحين في هذه الأيام أن ينبري من كان له صلة سابقة بحلقات علم أو منشط خير أو حلقات تحفيظ للقرآن ليعطي فيها من العطاء قدر الاستطاعة، فإنّ الحاجة في تلك الثغور باتت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وإن لم يكن هذا الوقت الحرج على الأمة وقت عطاء وبذل للغالي والنفيس فليت شعري متى يكون؟!!
وهنا سأتجه بالكلام إلى فئتين من المصلحين كان لغيابهم الأثر الواضح في الثغور الدعوية، والأثر الملموس على سير تلك الأعمال الدعوية:
[الفئة الأولى]: مجموعة من المصلحين كانوا شامة في محاضنهم التربوية، وسُخّرت لهم من الإمكانات والبرامج الخاصة والتأهيل والتدريب ما جعلهم أهلاً للقيادة الدعوية والتربوية فلما وصلوا إلى تلك المرحلة تركوا العمل الدعوي، أو رضوا أن يقدّموا دوراً دعوياً لا يليق بأمثالهم، مع وجود القدرة على التمام، وسبب توجيه كلامي إليهم أنّهم هم الأولى بالعطاء من غيرهم، فالمواهب التي أعطاهم الله إياها واجب أن يشكروا الله عليها بالعمل والبذل، وما قُصدوا بالبرامج المتخصصة إلا أنّ الأمة بحاجة إليهم وإلى مواهبهم، والناس تتطلّع إلى إنجازاتهم وتضحياتهم الدعوية، فالعذر منهم لا يُقبل إلا في أحلك الظروف، وابتعادهم عن مناشط الخير ثُلمة لا تُسدّ.
وممن يُلحق بهم بعض المتميزين علمياً في المحاضن التربوية ممن تفرغوا لطلب العلم وإكمال الدراسات، ولم يعُد لهم ذكر دعوي واضح، فيمكث أحدهم السنين ليس له دور دعوي أو نشاط علمي يُعرف به أو يقصده الناس من أجله، وإن أرسلتَ في طلبه لتزكية ما يحمل في صدره من العلم والخير اعتذر بضيق الوقت وكثرة المشاغل، ثم ما تلبث زمناً إلا وتمتلئ حساباته بصُوَرِه في مروج تركيا أو أنهار البوسنة أو أرياف أوروبا كلما سنحت له إجازة سنوية، وأسوأ الفئات حظّاً من تنصّب للأعمال الدعوية ينقدها نقداً لاذعاً هدّاماً فلا هو سدّ عن الأمة ثغورها، ولا سلِم إخوانه من نقده الذي أضرّ بهم ولم ينفعهم.
[الفئة الثانية]: الدعاة المصلحون والقادة المربون الذين قامت على أكتافهم هذه الثغور، وكانوا مصدر إلهام لشبابها، وامتلأت صدور الصالحين بحبهم، وكلامي متوجّه إليهم ليس من أجل التقصير والنقص، فقد رأينا من بذلهم وعطائهم وتضحياتهم ما تقرّ به العين، بل لكونهم في أوج البذل والعطاء شُغلوا عن بناء الجيل الثاني من الدعاة بناء جيداً حتى يقودوا من بعدهم قافلة الدعوة على الطريق الصحيح، وإن كانت هناك مبادرات لا بأس بها لإبراز بعض المتميزين إلا أنّهم لم يكونوا بتلك الكفاية والقدرة على القيادة والتوجيه واتخاذ القرارات، وإنّما أخذوا طابع الإدارة وترتيب الأعمال، والسير على ما اُعتيد عليه من الأفكار والاهتمامات، فنشأ لدينا جيل يكررّ الأفكار ولا يلاحظ تسارع المتغيرات بشكل عملي، مما جعل الواقع صادماً أورث عند بعضهم يأساً وإحباطاً، فإنّ الأمور متسارعة ومتغيّرة بصفة لا مثيل لها، وتغير الوسائل والآليات ما لم يكن بذات السرعة ومستوعباً للواقع فسنغرد بعيداً جداً، وإن كانت المقاصد الشرعية تتغير معها المسائل من جيل إلى جيل تبعاً لظروف الزمان والمكان، فمن باب أولى الأفكار وأهدافها، فكيف بنا ونحن نتكلم أصلاً عن الوسائل والآليات، فالأمر لا يحتمل ضياع الوقت، وأرى أن يقتربوا من الشباب ليرسموا المعالم الواضحة للمنهج النبوي في الدعوة والتربية، ويُعيدوا ترتيب المنظومة الفكرية الدعوية لتكون أكثر واقعية، ويمارسون التمكين الدعوي بشكل صحيح وتجرد، لينشأ جيل يعي ظروف المرحلة، ويرسم الطريق الصحيح المناسب لها، ويفكّر بعقلية اليوم المختلفة عن عقلية الأمس، ويُخرج من الأفكار ما يصلح للزمان والمكان، ونعيد للدعوة إلى الله صفتي الأصالة والمعاصرة، أصالة في المنهج والطريقة، ومعاصرة في الوسائل والآليات، فإن كان لكلِّ زمان أفكاره وتطلّعاته، فالدعوة صالحة لكل زمان ومكان.
-
علي عسيريمهتم بالبلاغة القرآنية