من لديه الجرأة ليستطيع إخبار أحبتنا بأننا منهكون؟ وأن الانهاك هذه المرة قد فاق الانهاك النفسي بمراحل، ذلك الذي نعتبره في أحايين كثيرة مجرد ضغوط عابرة، وأنها ليست بشرَّ يستدعي القلق.
أتذكر قديما عندما انتابتني حالة حزن شديد، وكان هاتفي يتلوى بين يدي من شدة حيرتي، كان هاتفا عاديا وليس ذكيا إذ مهمته الوحيدة هي التواصل الحقيقي؛ أي أنك لن تستطيع إخفاء مشاعرك ولا صوت اختناقك أو بكائك، مثلما تخبئها الآن وراء التواصل الغير مرئي؛ ولأنني كنت مثل هاتفي أتلوى أيضاً من الحزن والألم المبرح، خشيت من تبعات تلك الضغطة، ورغم أنها كانت أقرب صديقة إلا أن شعوراً بعدم الراحة أحاطني وزاد من ألمي أضعافا.
لماذا الخوف من التحدث مع صديقتي المقربة؟ تساءلت.. وبما أن رأسي لم يكن في مكانه، إذ كان يدور ويدور في سراديب مظلمة ليس لها نهاية، لم أعثر على إجابة، كل ما كنت أتعثر فيه هو التقوقع على نفسي أكثر، كنت كمن يغرق وحيداً في أقاصي الأرض، ورغم إدراكي بوجود ظل ما يقف على الجانب الآخر، لم أصرخ ولم أستنجد، وتركت نفسي مستسلمة للغرق، وهنا تَدَخلت نفسي وهمست لي: ابكي.. ابكي كثيراً وسوف يصبح كل شيء بعدها على ما يرام!
نفسي تعرف أنني لا بد سأسير وراءها، فالثقة التي بيننا يصعب تحليلها وتفكيكها، ولأن نفسي هي أول من يتلقفني عند قسوة الحياة وشدائدها، أدعها تقرر مصيري كيفما تراه، وإن خالفتها ستثبت الأيام عاجلاً أم آجلاً مدى صحة حكمها، ومدى صدق تخلفي وعنادي.
لقد ضغطت على الزر واتصلت لكنها لم تجب.. اتصلت ثانية وأيضاً لا مجيب، فأرسلت لها رسالة، رسالة قصيرة جداً لم تسع لأي شعور مما كنت أعانيه، فقط.. أنا تعبة جدا، ما رأيك لو أن نخرج؟ وما رد هو الصمت المرعب، ذلك الذي يسكن في زوايا غرفنا، ليخرج لنا بكل جبروته وطاقته التي ظل يشحنها طوال اليوم، ليفجرها فينا قبيل النوم.
الآن.. أنا وحدي في غرفتي، ليس معي سوى عبد الحليم وهو يستنجد برجاء "إن كنت قويا اخرجني من هذا اليم.. فأنا لا أعرف لا أعرف فن العوم" ولأنني مثل حليم لا أعرف فن العوم ولا فن الاستنجاد، اختصرت على نفسي غرقا مضاعفا!
وقلتُ أكتب... وهنا يجدر بي التوقف للحظات.. لأشرب نخب الكتابة، ثم ألقي كلمة تمجيدا في ذاتها المأهولة بالرحابة والطمأنينة؛ والله كأنها جداراً من صخر، لو تخلخل فوقك العالم كله، لما اهتزت لها حبة رمل واحدة.
وختاما.. وبعد أعواماً مديدة حفلت بالصداقات والانكسارات، شيء واحد فقط الذي التصق بذهني وهو أن أبقى وحدي في غرفتي.. أكتب، أتناوش مع نفسي، أفاجئ ظلالي المخبأة بقرار كان مؤجلا لسنين - كإغلاق حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا - أو حتى أسبَّها وألعنها ثم أخرج إلى الصالة حيث دفء العائلة، ليكون كل هذا أفضل من الصمت الذي سأمضغه عبثا في محاولة إيجاد صديقة أشاركها أثقالي؛ وإن كان لديكم ذلك الصديق/ة الذي تستطيعون البوح له بأوجاعكم دون خوف، فهنيئا لكم!
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.