قبلت ابنتي بعد الفجر وجلست أتأمل مشاعري الغريبة والمتقلبة تجاهها، هذا الاختلاف والتباين الكبير بين جيلي وجيل والدي بل بين عام وآخر يجعلني شديدة الخوف والحذر مما يمكن أن تكون عليه ابنتي في المستقبل، إضافة إلى نهم كبير يصيبني للقراءة والتفقه في مجال التربية الإيجابية والنفسية للطفل، أتأمل ابنتي للحظات وأقول: هل سيبقى لديها هذا الحب والاحتياج لي، فأجيب نفسي: لا، لن يبقى هذا الاحتياج والاعتماد، بل هي من الآن تحاول جاهدة أن تعتمد على نفسها في أدق التفاصيل التي هي لازالت من مهامي، تريد أن تأكل وحدها وتلبس وحدها وتصعد السلم بمفردها، وحتى في الشارع لا تريد أن تمسك يدي عندما نكون على الرصيف، أقول لها هاتِ يدك، تقول بصوتها الطفولي وبنبرة استنكار: لا يوجد سيارات، ومفهوم كلامها: فما حاجتي لأن أمسك يدك ما دمنا على الرصيف وليس هناك خطر أحتمي بك منه؟!، فيتضاعف خوفي وجهدي في سبيل أن أحافظ على أكبر قدر ممكن من الاتصال بيني وبينها أحفظه وأرسله للمستقبل، بحيث يكون اتصال دائم، مبني على علاقة متينة ترضيها في مستقبلها عني وعن والدها، علاقة تجعلها راضية عن عائلتها وعن نفسها، لا يكون منشؤها الخوف، فلا أريد لشيء أن يكون مصدر خوف لها، ولا يمكن أن يكون الاحتياج، فلن تظل في احتياج دائم لي، وأنا حقا أريدها أن تعتمد على نفسها، وأن تكون قوية عصامية، فإذن أنا التي ينبغي أن أصنع ما أحافظ به على علاقتي بها غير الخوف والاحتياج، فهي ستكبر وستستقل بكل احتياجاتها وحتى بأفكارها وآرائها ونظرتها للحياة، وحتى لو لم أساعدها على تجاوزها مخاوفها فلن أبقى الملجأ والحمى بالنسبة لها، لأن مخاوف الأطفال إذا كبرت معهم تحولت إلى عقد وأمراض نفسية، وهذه مهمة الآباء، مهمة جليلة وجميلة وعظيمة، وفيها من الصعوبة ما لا يقدر عليه من لم يدرب نفسه ويربيها قبل أن يبدأ بتربية أبنائه، ولن يحفظ هذه الأمانة من لم يسمو بنفسه وعقله إلى جلالها وعظمتها، من لم يتفكر للحظة أن التربية كانت مهمة الأنبياء، كأنك تحمل رسالةً عطرة وتريد أن تغرسها في نفس طرية طيبة تعطر بها الكون والحياة، لعلنا نتنفس قليلا من طيب الأخلاق والإيمان في هذا الجو الخانق من الفساد والإفساد والفسق والرذيلة.
-
حنان حسن🍀ذاكرةُ البشرِ قصيرة والحرفُ يخلِّد الذكرى🌿