الطوق و الكلب داني - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الطوق و الكلب داني

إن الخير والشر طاقتين بداخل النفس البشرية يتصارعان دوما، والناجي هو من قاوم شره بخيره.

  نشر في 29 ديسمبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

أثار إعجابي فيلما أمريكيا عرض منذ عدة سنوات وقد شاهدته عدة مرات ، وفي كل مرة كنت أشاهد فيها هذا الفيلم كان يزداد مقدار إعجابي به ، ولكني قد وجدتني آخر مرة شاهدته فيها أشعر شعورا مختلفا ، وجدتني أرى فيه معاني لم ألحظها من قبل أو لعلني في المرات السابقة كنت اشاهده بعين معجب فقط دون محاولة لنظرة أعمق محاولا بها فهم ما قد فهمته ورأيته في تلك المرة الأخيرة.

واسم هذا الفيلم "Unleashed" وترجمته حرفيا "إطلاق العنان" ، وربما يصح أن يكون المعنى "المُتَحرر" لما في ذلك المعنى من مطابقة لسياق الفيلم ومحور قصته فيما أتصور.

وبإيجاز، يروي هذا الفيلم قصة شاب قد تم أسره منذ صغره على يد رجل يقود مجموعة من الغوغاء والذين بدورهم يتبعون أوامر قائدهم في أفعاله وتلبية رغباته الخبيثة من قتل وسفك دماء للحصول على المال ، ولعلني هنا يجب أن أشير أن هذا الشاب لم يتم أسره بالمعنى المتبادر للذهن حين تطلق كلمة "أسر" فهو ليس عبدا بالمعنى التقليدي ولكن قد جعل منه هذا العجوز الخبيث ما هو أسوأ من العبد ، فقد أخذه صغيرا ورباه في مستنقعه الخبيث بين مجموعة من البشر يوصفون بصفة البشرية من حيث الاسم فقط ، وترعرع هذا الصغير بداخل قفص حديدي وعلى رقبته طوقا حديديا ملازما له - كالكلب - أينما ذهب وراح ، لم يرى في حياته إلا ذلك العجوز ، لم يطعمه ولم يسقيه إلا هو ، يلقي إليه بطعامه وشرابه داخل ذلك القفص ، ومن ثم نما بداخله شعور عجيب بأن هذا العجوز سيده بالمعنى الحرفي ، ويصور الفيلم هذا المعنى حينما يطلق العجوز الطوق الحديدي من رقبة الكلب البشري هامسا في أذنه "Kill".."اقتل" ، وبدوره ينقض الأسير على فريسته ويقتله دون رحمة أو حتى دون أستمتاع لمن يحبون ويتلذذون برؤية الدماء والقتل ، فهو قاتل وسريع في قتله أو أشبه بألة قتل فتاكة تقتل دون اعتبار لمن يشاهدون ويتابعون ، وبعد انجاز مهمته يرجع الكلب البشري لسيده ليطوقه بالطوق الحديدي مرة أخرى فيتلاشى الوحش القاتل ليطفو الضعف البشري في صورة كلب بشري يلهث مناديا سيده بمكافأة من طعام أو شراب. ولعل هذا كله يتمثل ويشار إليه بذكاء شديد في أحد بوسترات الفيلم مرسوما عليه كلب وتحت تلك الصورة عنوان الفيلم مقرونا بكلمة تصف تلك الحالة الانسانية الغريبة ، يظهر البوستر مكتوبا عليه "Unleashed – The Danny Dog" أو "إطلاق العنان للكلب داني" وبالطبع "داني" هذا ليس كلبا إنما بشرا تربى تربية كلب على يد هذا العجوز الفاسد قاسي القلب وفاقد الروح.

وتدور أحداث الفيلم حول هذا السياق إلى أن يقع هذا القتى بعد إصابته في رعاية أسرة هادئة تتكون من رجل عجوز أعمى وفتاة في سن الشباب ممتلئة بالحيوية والجمال والحركة ممزوجا هذا الخليط الانساني بلمسة من طفولة بريئة في روح تلك الفتاة لتأسر هذا الفتى وتفتح أما عينيه أفقا وعالما جديدا لم يراه من قبل أو حتى يعلم معانيه.

ولن أطيل أكثر من ذلك في سرد أحداث الفيلم فلست ناقدا أو محللا سينمائيا ، وليس هذا هو قصدي مما أكتب ، إنما أردت فقط أن أطوف حول تلك القصة في محاولة لفهم - عميق - ما يمكن لبشري أن يفعله أو ما يمكن لبشري أن يكون عليه حينما تخلو حياته وخاصة طفولته من مناخ إنساني معتدل ليستبدل بمناخ آخر حيواني ممتلئ برغبات دونية وأفعال شيطانية هي في واقع الحال تصدر من أناس يرتدون ثوب البشرية ويخفون وراء ذلك الثوب أجسادا نارية خلت من الروح والشعور والضوابط والقيم أو ربما لا أبالغ حين أصفهم شياطين الأنس.

قال تعالى "ولقد كرمنا بني أدم." ، نعم هذه حقيقة ليست مجرد كلمات نرددها لنتعبد بنص قراني مقدس ، ولكنها كلمات تعبر عن أبلغ معاني الحقيقة حينما يقرر القرأن بأن الانسان مكرم على سائر المخلوقات ، ويتضح ذلك المعنى في موضوع هذا الفيلم والذي أشار الى تلك الحقيقة الكونية في مشهد من أروع مشاهد الفليم على الإطلاق ، وهذا حينما سمع هذا الشاب المأسور بطوقه هذا النغم وهذا الصوت العذب حينما كان العجوز الأعمى يعزف على البيانو ، حينها تلاشت معاني الحيوانية بالفتى متحررا من أسره ومن قيوده ليطفو على السطح ويرى او يحاول أن يرى ما لم يكن يراه من قبل ، إن نداء الإنسانية بداخله هو الذي دعاه وناداه ليلبي طائعا ويطل من نافذة قد غابت عن أنظاره طيلة أعوام صباه ، طيلة هذا العمر المديد من تربية الوحش بداخله وعلى الرغم من عزلته القاتله عن العالم البشري إلا أن الحقيقة الإنسانية بداخله لم تمت ولم تنحسر ، ظل بداخله نور الإنسانية الذي تم حجبه وراء نافذة معتمة مظلمة دنستها دماء الوحشية داخل هؤلاء الغوغاء الذين سلموا أنفسهم للشيطان فكانوا عبيدا للشيطان فسلبت منهم كرامة الإنسان. ولعل أحد يسأل ما الفرق بينهم وبين هذا الفتى وأقول إن الفرق كما صوره الفيلم أن هذا الفتى لم يكن شيطانا برغبته ولكنهم هم الذين ربوا فيه معنى الوحشية مستفيدين من وراء ذلك ، الفرق أنه كان أسير شياطين الأنس وكان هذا الأسر جبرا عنه وليس طوعا أما هم فقد باعوا أنفسهم - لسبب أو آخر - برغبتهم فماتت أنفسهم وتلاشت أرواحهم ومات الإنسان الذي كان بداخلهم.

وأظن أو بالأحرى أعتقد أننا في هذه الأيام خاصة - لما انتشرت فيها أنواع الوحشية بين بني البشر - بأن نعود وندرس جيدا لنعلم ونحدد ثم نقرر كيف يمكن أن نحرر أنفسنا من أسر أنفسنا. أعتقد أنه لزاما علينا جميعا أن نقف قليلا لنفكر ما الذي حدث للإنسان ليقتل أخاه الإنسان بوحشية في ظني تعدت في معظم الصور وحشية الحيوان ، إن الحيوان حين يقتل فإنه يقتل ليأكل ويحيا ولكن الأنسان حينما يقتل فلماذا؟!!...بالطبع للحروب فلسفة وللصراع أسباب شتى وعلى الرغم من ذلك نرى كثيرا قتلا بين بين البشر يفتقد لفلسفة ، ونرى صراعات دون أسباب أو ربما تستند لأسباب واهية.

أعلم على وجه اليقين أن الأمر ليس بسيطا. و أعتقد - أو هكذا أظن - أنني لست ساذجا لأتصور ذلك ، ولا أريد فضلا عن كوني لا أتصور عالما فاضلا مثاليا يخلو من هفوات أو شهوات ، ولكن ألا يجب علينا على الأقل أن نسأل لماذا؟!!.. لماذا هذا الكم المخيف من العنف بين عالم الإنسان؟!!.. ، أو حتى على الأقل نحاول أن نفهم!!..

ربما يكون أغلبنا قد وقع تحت سطوة أسر نفسه أو أسر غيره له ، ومنا من وقع تحت أسر الدنيا بأوهامها أو حقائقها ، وربما يكون أغلبنا قد رضي بالطوق يدور حول رقبته إما لضعف أو جهل أو سلب إرادة ، ولكن ألم يأنِ لنا أن نبحث عن صوتٍ يصدر عن ألة بيانو يتردد نغمها بين أذاننا وأذهاننا فيحررنا من هذا الطوق كما حرر " الكلب داني".

ربما تكون تلك الرسالة أوقع وأكثر قابلية للتطبيق على مستوى الفرد منه على المجتمع ككل ، ولكن يجب علينا أن نتذكر دائما أن المجتمع أو أي جماعة هي مجموعة من الأفراد. وجدير بي أن أعود وأكرر أني لا أقصد أن نكون مثاليين أو معصومين من أخطاء بشرية أو هفوات وزلات إنسانية ، إنما أقصد فقط أن نحاول التحرر من قيودٍ أسرَتنا واستعبدتنا فاختفت وتلاشت ملامح البشرية والإنسانية في كثير من أفعالنا ، أقصد فقط مجرد الرجوع إلى الحقيقة التي أقرتها النواميس الكونية متمثلة في قوله تعالى "ولقد كرمنا بني أدم".....نعم نحن بني أدم مكرمون أو هكذا ينبغي أن نكون، هذا فقط ما أردته، أن نحافظ على كوننا بشر فقط مجرد بشر ولسنا شيئاً آخر.


  • 2

   نشر في 29 ديسمبر 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا