🔅خاطرة متفائل🔅

علمت أنني تركت خلفي أثرا بارزا أتوسم به الغد القادم بإذن الله ، رغم ذلك الصراع المتوهج كالبركان المتذفق بشضاياه المتناثرة ..لكنني أعلو بجناحي الأبيضين فوق تلك الحمم الهائلة عازما على الخوض في غمار تلك الظواهر الصاخبة ومتمكنا من استيعاب ذلك الضجيج العابر عبور قطار سريع يصدع رؤوس المارة ..أتوقف مُطِلاًّ على جنباتها كالسارق المتخفي يرى ولا يُرى ..أو كظل خفيف ..أتمعن بعين قارئة وعقل منفتح وراء الستار تلك العجائب والغرائب غير منفرد بذاته أو متحفظ بفكره ؛ يظن أنه الأعلم واللبيب بين الناس وأنه كالراعي الذي يرعى بهائمه التي تسمع الصوت ولا تفهم معنى الكلام..فيتشدق ويتفاخر عليهم بما ليس له ولكن عليه ..إنه لُبس مكشوف على الظاهر ولو أخفي بشتى الطرق ، فإن الله "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"..لا أحمل في حفيظتي كومة من الأحقاد أو حزمة من العواطف المظلمة كالليل الدامس !!

بل أحمل منارة الحب والسلام أنير دُهام الحياة و أفشي أسرار الوعي بين الخلائق ..أجوب أزقة "شعبية" ملتمسا بساطة أناسها ..تلك الوجوه البشوشة التي تبدي نقاء قلوبهم وسعة صدورهم؛ يقنعون بالقليل وينفقون ما في جيوبهم من بضعة دراهم على ما يقضي حوائجهم ولا يطمعون فيما ليس لهم بل مكتفين بما قسمه الله لهم ..إنه غنى النفس الذي لا يقدر بثمن بل هو أثمن ما في الدنيا ..فما أساس المال إن كان في غير موضعه ؟ إن كان يبذر في ما لا نفع منه؟ ..كالوردة التي تسقى بماء مُكَدَّر !

المال رزق والبنون رزق وكل نعم الله أرزاق ، ولكنها ليست لُبَّ الحياة بل غشاءها الخارجي ونواتها هي القيم والأخلاق التي تحفظ هذه النعم بفضل الله..

لا أستبعد بعض الحقائق المرئية التي يعرفها بعض الناس أو أقول بلفظ آخر بعض "العقلاء" ، الذين يدركون ما لم يدركه غيرهم بتحقيق معمق بين الغموض والوضوح ، مستنبطين قَعر الشيئ من جوهره دون تعجل في الحُكم ، حتى يتبين لهم الحق من الباطل وبغير بلبلة تزلزل أفكار العامة ..وهذا هو عكس التشاؤم و ذروة التفاؤل أن تكتم الغيظ في نفسك ولو كان قاسيا عليك أفضل من أن تروج كل ما يخالجك بين الشعوب الذين قد يجهلون ما تعلمه فينحرفون عن مقصدك..

وربما قد تميل عن الصواب نحو الخطأ غير مُقبل على تدارك الخلل في خِضَمِّ زوبعة من الصراعات المتشابكة.. لا تنفك منها إلا إذا قصدت الإخلاص لله منيبا إليه ، لا تسأل غيره ولا تتعلق إلا به..هو الأول والآخر والناس والموت رفقاء فلمن البقاء؟

كثيرة هي تلك الشكوك و غريبة تلك الظنون! ولكنها ما تلبث إلا و تتضح..إلا وتنفلت من قبضة الذهول..رويدك يا أيها المتفائل لما التعجل ؟ أو لما التعقل ؟ ..عبارتين متناقضتين لا ترتبطان ولا تنسجمان ، فالفرق عظيم ..والعجلة في غير موضعها ليست من صفات العاقل وليست من شمائل المؤمن ..لكنها لقطات سريعة لا تستوعب في بعض الأحيان..أو قد يتمادى الغافل في تقصي حقائق مخفية يجهل معناها فيقع في مصيدة الحائر..ولو كان حريصا في سعيه ، متشبتا بمبدئه ، متسلحا بعدة النبيه ..متحذرا في كل خطوة يخطوها بين عقبات الطريق! ..فهو متعرض للزلل ومهدد بالنسيان في أي حال من الأحوال المتلاطمة..وهذا ليس عذرا يتخذه كلما أخطأ ..ولكنه بعد نظر فيما قد يعود عليه الضرر حين يغفو غفوة عابرة.. فتجتمع عليه حشود من ضعاف القلوب تصفعه صفعات مؤلمة كأنه قاتل سفاح ..هي كلمة قالها ..يراقبها الماكرون خلسة كغنيمة لهم ..لطالما ترقبوا شروقها كي يستمتعوا بجمالية الانتقام والتلذذ بحلاوة الظهور ..ولم يعلموا أنهم هم من وقعوا في شرك الهوى ..فباعوا أنفسهم له بثمن بخس ..*

ضاعت أمانيهم واندثرت ورود آمالهم .. حين ساروا نحو منحدر السوء ..كانت رؤيتهم شبه معدومة و عقولهم غائبة ..لم يتمعنوا في أمورهم حتى يدركوا حصيلة جشعهم وخبثهم..

■العلوي محمد أمين■

يتبع..