كان اضطهاد الخلفاء الأمويين لآل محمد صلى الله عليه وسلم داعيًا إلي عطف الناس عليهم والتأثر لمحنتهم، غير أن أحدًا من خلفائهم لم يلمع نجمهم في سماء السياسة، ومن ثَم فإن الثورات العلوية لم يكن لها شأن يُذكر، وقد كان يمكن ألا تكون تلك الحركة -الشيعة- أكثر من عارض حدث في غالم السياسة أو بمثابة تجربة سُجلت على صفحات التاريخ ولكن بفضل التطور الذي أدخله على تلك الحركة عبدالله بن ميمون طبيب العيون الفارسي الذي كان يشتغل بالشعوذة والسحر والذي كان يمقت العرب وخلفائهم مقتًا شديدًا الذي دبّر مؤامرة للقضاء علي الدين الإسلامي ولتقوية نفوذ الفُرس مرة أُخرى. ولقد شجّع مذهبه الذي اشتق من رأي العلويين القائل بالحق الإلهي كثيرًا من الناس علي الخروج علي الدين الإسلامي والانضمام إليه وكذلك أولئك المتحمسون الذين كانوا لا يزالون يبكون مأساة كربلاء واستشهاد الحسين.

ذلك أنه قال إن الله كان على الدوام مُجسَدًا في بعض الزعماء الروحانيين أو الأئمة أمثال آدم وابراهيم وهكذا حتي عليّ رضي الله عنه، ولم يكُن العالم في يوم من الأيام بدون إمام حتى وإن لم يكن ظاهرًا أو متجسدًا تراه الأعين، وعلي ذلك فقد حدث أن قُطعت سلسلة الخلافة من بعد عليّ بن أبي طالب، غير أنه على الرغم من ذلك كان يوجد في الوقت نفسه إمام مُتخفي يتحين الفُرصة للكشف عن نفسه أمام العالم، وحينما يظهر هذا الإمام المُسمى عنده بالمهدي يصرف الناس نظرهم عن الخُلفاء الذين اغتصبوا سُلطته. وخلال فترة انتظار المهدي يجب علي أولئك الذين ينتظرونه أن يعدوا عدتهم من الرجال ولئن كان الإمام لا يزال مختفيًا فإن هذا لا يمنع من أن يعمل أنصارة علي دعوة الناس إلي الحق.

وهكذا كانت الدعوة سائرة على قدم وساق وكانت هناك جمعية سرية تعمل في الخفاء في العالم الإسلامي، وقد لقيت نجاحًا علي الأخص في بلاد العرب وبلاد الموصل وشمال افريقيا، وكان الدعاة يُختارون بعناية ويدربون على تعليم تلك المبادئ حتي يهتدي به الناس، وكان لهم طُرق عدة في الدعوة تختلف حسب طبيعة الشخص المدعو، فمثلًا إن كان من أولئك الذين لك يتذوقوا العلوم والمعارف فكانوا يلقنونهم ما يبدوا في ظاههره دروس مستفادة من القرآن ولو أنها علي الدوام كانت ممزوجة بالإشارة إلي قُرب وصول المهديّ تلك الشخصية الرائعة الغامضة، وأما المثقفون ذوو العقول المستنيرة فكانوا يلجأون معهم إلى المناقشات التي تتناسب مع أُفقهم الواسع وبذلك يصلون بهم إلى مُبتغاهم. ولم يكُن هؤلاء الدعاة يشبهون المسلمين في شئ، فقد كانوا فيما بين أنفسهم زنادقة وأمام الناس هُم الأبرار، كما أن أهدفاهم كانت سياسية مَحضة تتلخص في قلب الإسلام على أعقابه وسلب المسلمين سُلطتهم، ولقد استخدموا جميع الديانات المُختلفة بغير مُبالاة ولئن كانت تلك الديانات فاسدة بالنسبة إليهم ولا تعنيهم في شئ ولكنها كانت درجات لها قيمتها في توصيلهم إلى غايتهم. وكانوا يبذلون قصارى جهدهم في استرضاء من يعتنقون مذهبهم والاحتفاظ بهم، فلقد كانوا يودعونهم أسراراهم حتى يُساوونهم بهم ويُشعرونهم بالرضا، وكانوا يستخدمون الأسماء المُقدسة لسيدنا عليّ بن أبي طالب ويُبشرون بقُرب مجئ المسيح الجديد لا لأنهم كانوا يعتقدون في أحدهما أو في الخلافة أو في التجسد الرُوحي، وإنما كان لابد لهم من أن يضربوا على وَترٍ رنان حتى يطرب الناس بنغماته.

ولقد أصاب دُعاة الشيعة أو الإسماعيلية ثلاث خطوات من النجاح : الخطوة الأولى هي سيادة القرامطة على بلاد العرب وبلاد الموصل وسوريا في القرنين التاسع والعاشر، والخطوة الثانية هي امتداد الهلافة الفاطمية إلي شمال أفريقيا والقُطر المصري، أما الخطوة الثالثة والأخيرة فكانت تتمثل في خوف الأمراء والحُكام من الإسماعيليين أو الحشاشين في بلاد فارس ولبنان.

كانت الخلافة الفاطمية التي اشتقت اسمها من فاطمة زوجة عليّ بن أبي طالب وبنت النبيّ صلى الله عليه وسلم، هي أقوى وأبرز ما تمخضت عنه حركة الشيعة، ووجد الشيعة بلاد البرابرة أرضًا خصبًا لنشر مبادئها بين البربر السُذج، ولقد نجح الإنقلاب حينما أفلحت الدعوة في إيجاد خليفة لعليّ بن أبي طالب وزوجته فاطمة في شخص عُبيد الله المهدي في القيروان التي تسمى الآن تونس -المدينة- وكان ذلك في عام 910 م.