التنمية البشرية فن الإبداع: كريس كيلانوفسكي "ملاكي الحارس" نموذجا
نشر في 29 أكتوبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هل حقا لكل إنسان ملاكه الحارس الذي يظهر له في مرحلة ما من مسار حياته ليكون له بمثابة منقذ من حالة ضياع أو تشتت..؟ هذا أمر مؤك عايشته بالفعل وأنا أقف على باب الثلاثين وفي صدري الكثير من المسارات التي لا أعرف كيف أختار منها وفوق هذا وأنا في حال أصبحت الدنيا هي التي تسيريني بأمواجها بعد أن فقدت بوصلتي.
لم أكن أبدا أؤمن بمسائل التنمية البشرية وكنت اعتبر أن الدورات التدريبية التي تقدم فيها – لاسيما في منطقتنا العربية- ليست إلا بيع للوهم وأن الحياة لن تدار بهذه الطريقة التي يصورها هؤلاء الحالمين والمتحدثين عن تغيير مسار الحياة بتدريب أو قرار، حتى قابلتها لتنتشلني من أزمة فعلية كنت أعيشها ولتفتح عيني على نقاط قوة رهيبة داخلي، لتغير فيَ كل شيء ولتعيد لي نفسي، بالرغم من أن تدريبها لم يكن في اطار التنمية البشرية المتعارف عليه.
قبل ما يقارب عام وشهرين ساقتني الصدفة للمشاركة في دورة أقامتها أكاديمية "دويتش فيلة" (DW) الألمانية، مخصصة للصحفيات المصريات، كان عنوانها "أصوات النساء"، وهي دورة تدريبية تهدف لإكساب الصحفيات مهارات مساعدة في مسار عملهن، والحقيقة إن هذه الدورة كانت كالسحر بالنسبة لي، وكان أهم ما فيها الألمانية "كريستين كيلانوفسكي" مدربتي التي حولت مسار حياتي وأكدت لي على مقولة كنت في السابق أقولها من باب الضحك.
كنت أكره في حياتي الأعمال المنزلية، وأتندر على فشلي في هذه المسألة بمقولة لي أرددها بين حين وآخر: "خلقت لأكون ملكة"... لكن جاءت كريستين، "أو كريس" كما كنا نناديها، لتمنعني من ترديد هذه المقولة بعد ذلك بلساني ولتجعلني أشعر بها فعليا.
لم أقل لها أبدا بأني أردد مقولتي تلك، لكنها وفي التدريب جعلت كل المتدربات يرتدين (التاج) بالنسبة لها هو تاج الاعتزاز بالنفس وتقدير الذات لدرجة أن تكون كل منا ممسكة بتاجها فوق رأسها.. وتصبح هنا المعضلة كيف تستمري في كل مسارات حياتك اليومية مبقية على تاجك هذا لا تسقطيه..
في أول أيام التدريب لفت نظري في البداية حديث هذه المرأة الشابة التي تقف بخيلاء لتقول بأن عمرها 60 عاما، وتتحدث وكلها أمل على عكسي أنا التي دخل إلى الثلاثين من عمري قبل شهور، وبدأت أشعر بأنه لا أمل وأن الحياة لم يعد فيها ما يساعد على الاستمرار.
حديث كريس خلال أيام التدريب الخمس كان بمثابة السحر الذي يعيدني لمواقف ومسارات كثيرة في حياتي، أعيد التعامل معها وأستكمل صياغتها، وقد جاءت لي بالفعل في وقت كان "قارب" حياتي قد ضاعت مجاديفه فتركته للأمواج والرياح تحركه كيف شاءت.. حتى جاءت "ملاكي الحارس" وأصبحت هي مرشدتي في كل مسارات حياتي، العملية والحياتية.
في كل أزمة تقابلني وقبل أن أشعر بالانكسار تخرج "كريس" من قلب ذاكرتي بعينها المليئة بالاصرار، وملامحها الهادئة لتقول لي " لن تيأسي"، فهل يمكن لمثل هذه المرأة إلا أن تكون ملاكا فعليا يخرجني من أرض مخضبة بالأوحال التي صنعها البشر، إلى جنان متشابكة الأشجار.
خلال العمل في حقل الصحافة لن تجد المعلم الذي يوجهك أو يقول لك افعل هذا أو ذاك، وهذا ما ألفته على مدار سنوات طويلة عملت فيها في مسارات مختلفة من العمل الصحفي، وكنت خلالها أهرب من كل ما هو روتيني، بل وأتمرد عليه، ولم أكن أتخيل أني سأقابل من يوقفني على مفاتيح تعرفني بنفسي وبمهاراتي التي قد لا أكون تعرفت عليها حتى بالرغم من وجودها ومن استخدامي لها في مرات عدة... وإذ بي فجأة أتغير وأبدأ في التخطيط لحياتي من منظور آخر.
أنا أتنفس.. عدت للكتابة التي كنت غادرتها منذ سنوات، عادت مشاريعي المتوقفة في الكتابة، إضافة إلى أن رؤيتي للتعامل مع كل ما هو محيط بي تغير، نظرتي لموضوعاتي تغيرت، بتت أبحث عن غير الممكن لأنفذه، وأسعى له حتى لو لم تكن نسب النجاح كبيرة.. الأهم من كل شيء أن الفشل لم يعد يكسرني ولم أعد أتوقف عنده كثيرا، إذا فشلت تجربه، فعلي أن أتحول إلى غيرها.. إذا توقف مشروع عمل سيكون من الأفضل البحث عن آخر، لكن بعد أن أستنفذ كل سبل انجاحه.
في أحد الأيام دعوت وزير الخارجية اليمني لندوة في الجريدة التي أعمل بها، كانت فكرتي أن العادي بل وأقل من العادي أن أجري معه حوارا، خاصة أني أجريت قبل شهور مقابلة معه لنفس الجريدة، كما أني أعددت لمقابلتين مع إحدى كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية في نسختها العربية والانجليزية.. أصبح التحدي عندي أن يأتي الوزير للجريدة، وأن يتحدث فيما لم يتحدث به من قبل.. وبالفعل تحدد الموعد في اليوم التالي، لكنه ألغي قبل ثلاث ساعات وكانت تحضيرات الندوة قد اكتملت.
توقفت الدنيا أمامي واسودت حتى خرجت لي كريس وقالت لي "لا يأس.. تحركي بثقة وستنجحي".. وبعد ساعتين من التحرك والحديث إلى الوزير جاء إلى الندوة مقتنعا لأبعد مدى، وامتد موعدها من ساعة إلى ساعتين ونصف ولم يكن الوزير يريد التوقف عن الحكي.
هذه الحكاية مجرد اشارة لموقف من عدة مواقف لا اعرف لماذا كانت كريس تحضر فيها بهذا الشكل، ولماذا تستحضرها روحي لأقول بأنها بالفعل غدت "ملاكي الحارس" أو الموجه.. أستحضرها في الأزمات فأجد ماردا ينهض من داخلي ليحقق المستحيل، وهي لم تفعل شيء الا أنها وضعت يدها على مفاتيح كانت مجهولة لدي في السابق.
مر عام كامل وأنا أريد أن أكتب عن هذه الـ"كريس" البديعة الرائعة، لكني كنت في كل مرة أتوقف وأرفض ما كتبته، حتى مر عام كامل لم أشاهدها فيه منذ آخر تدريب أدخلتني إليه، والذي جاء ليكون لي بمثابة مسار آخر في حياتي حيث تأهلت من التدريب الآول إلى تدريب آخر أكثر عمقا، وهو "دريب المدربين"، وقت أن أعلنوا عنه تقدمت إليه ولم أكن اتخيل أن أصل له، لكن اختاروني، وعدت مجددا للحلم، الذي تدخلني فيه هذه الألمانية الوقورة، لأخرج مجددا بمفاتيح جديدة تساعدني في مساري وتعززه.
قبل أيام التقيت عدد من الشباب والشابات، دربتهم قبل فترة على الكتابة الصحفية وكان لقاءنا للتعرف على ما تم خلال الفترة الماضية ومناقشة بعض الأمور التي وقفت في مسارهم، وبالمناسبة وللمصادفة أني قمت بتدريب ما يقارب من 50 كانوا في أغلبهم طلبة جامعات، هم اليوم أعضاء فاعلين في موقع إلكتروني يديره أصدقاء شباب بأحد أقاليم مصر.
في هذا الوقت قررت بعد الحالة الطيبة التي خرجت بها من اللقاء أن أكتب لكريس لأقول لها شكرا، ولأشكر أيضا "DW" مرتين، الأولى على تقدمه من تدريب يساعد الصحفيين في الشرق الأوسط بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، و الثانية على هذه الجوهرة الرائعة "كريستين كيلانوفسكي"
القاهرة 28أكتوبر 2015
-
ولاء عبداللهصحفية مصرية متخصصة في الشئون العربية . عملت فترة طويلة في الصحافة الثقافية . مدربة معتمدة من مؤسسة "D W"الألمانية سافرت إلى عدد من الدول العربية " ليبيا، العراق، الكويت، الإمارات" في تغطيات صحفية صدر لي كتاب "جبرتي الثقاف ...