النجـــــاة .. بقلـــم / نـــورا محمـــد
نشر في 04 فبراير 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في النهاية .. أيقنت أننا نحن البشر أبسط من أن نحصل على أعظم الأشياء ، و أضعف من أن نُطالب الحياة بها .. ولكننا نطمح فقط في النجاة .. النجاة وحسب ..
والحق أنها أعظم الإنتصارات ..
أن تنال من الطمأنينة النصيب الذي يُرضيك ويُحقق لك الإكتفاء دون التذلل إلى بقايا الحياة التي تعطف عليك الدنيا بها .. أن تحيا بسلام وتعبر إلى الأبدية بهدوء دون أن يُعرقلك شعور الضجر والسأم الذي لطالما فرضته عليك دُنياك , فقط تنطلق إلى رحلتك الباقية والخلاص من زمن تشرب الفناء تشرباً ..
و فيما تبقى لك من رحلتك المكتوب عليها الإندثار تغدو كرجل نبيل لم يُلطخ يديه بقسوة الواقع .. فقط ينغمس في رداء الصبر ويُبحر في صمته المُشتعل بضجيج فكره وينتظر اللحظة الكفيلة بأن تنقله إلى عالم آخر أبعد عما يكون قد خطر بباله يوماً .. ولكنه حتماً الأقرب إلى نشوة قلبه ..
لم تُغيبه الدنيا عن روحه , أدرك أنه مهما زلت خطواته في الطرقات سيصل إليه وإن كان يجده صعب المنال , وبقدر صعوبة الوصول بقدر ما يزداد داخله من رغبة موقدة لا يكف لهيبها عن التوهج , رغبته لعالمه هي الرغبة الأولى والأخيرة التي لامسها وبصدق , فهو لم يعهد هذا الإصرار من قبل , لم يشهد كيانه يُصارع الكون إلى هذا الحد .. فقط من أجل لحظة الملاذ .. لحظة الوجود الأصلي ..
يتنسمه كما الهواء .. يُبصر به ودونه هو العدم .. ينتفض له قلبه من بين ضلوعه كما لو أنه استوطنه ولن يرحل عنه .. كما لو أنه لم يدرك معنى لـ إنسانيته إلا بهذا الكون الذي يحترق شوقاً إليه .. كما لو أنه الغريق ووجد يداً تسحبه إلى البر فيتبدل حاله بين ليلة وضحاها .. كان الضحية وأصبح المُطمئن .. كان المسكين وأصبح مصدر السكون للبشرية بأكملها ..

فكيف هو الشعور حينما يتحرر السجين من قبضة السجان بعد دهور من غياب ضوء النهار عن روحه ؟! .. كيف تُقاس عظمة اللحظة التي يتهشم فيها المعقول وقوانينه ويصبح الهذيان هو الحكمة والغاية ؟! .. دون قيود , بلا أنظار تتربص وتلتحم بالأنفاس , يصبح الكون الرفيق والسماء النافذة على عوالمك الخفية .. وأنت الحر بهذا العالم الفسيح الذي انتشلك من أنياب الأرض ..
ابتسم واطمئن .. يوماً ما .. سيكون لنا لقاء مع النجاة .. سيكون لنا في عالمنا الحقيقي حياة ..
فلا تضطرب .. عش بأمان .. فلن يدوم ألمك طويلاً .. ثمة ملاذ .