سارة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سارة

الحب يجعلنا نضحي ونفخر بالحبيب .. يجعلنا نفرح حتى وسط المجتمع الكئيب

  نشر في 04 يناير 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

كنت أتناول فطوري كالمعتاد في البلكونة ودخلت ابنتي والتي هي طالبة بكلية الطب وعلى وشك التخرج قريبا، وطلبت مني أن تجلس معي وتتحدث معي، ولأول مرة بعد مرور أكثر من عقدين من عمرها تسألني عن سبب تسميتي لها سارة.

هنا ارتسم على وجهي ابتسامة كبيرة فأنا لا أعلم سبب تسميتي لها سارة، ولكن ذهب عقلي للماضي البعيد أتذكر ذكرى هامة من حياتي، هي سر ولكني سأحكي لابنتي عنها.

فقلت لها: سارة كانت أجمل فتاة لدينا بالجامعة، ملامحها تكاد تكون أقرب للكمال، هذا ليس رأيي أنا وحدي وإنما رأي جميع الطلاب والطالبات، فلا يوجد منا طالب أو طالبة يستطيع أن يصف جمالها، كما أنه لا يوجد طالب منا لم يكن يتمنى أن يتعرف عليها ويصاحبها، ولكن ليس فينا أي شخص كان يتمنى أن تصبح زوجته في يوم من الايام.

اشتهرت سارة بين الجميع بسمعتها السيئة على الرغم من انطوائها على نفسها، فهي ليس لديها صديقات أو أصدقاء، سارة كانت تأتي لتحضر محاضراتها وتذهب بعد انتهاء المحاضرات مهرولة لبيتها، وكنت أرى أن ما يتردد عن كونها سيئة السمعة ليس بشائعات وإنما حقيقة.

كيف لا تكون سيئة السمعة ولديها ابنة وهي تعيش وحدها، دون أب أو أخ وليس لديها من الأهل من يسأل عنها، لديها ابنة تذهب بها إلى روضة الاطفال يوميا قبل موعد المحاضرات وتهرول بعد انتهاء المحاضرات لتلحق بها وأحيانا تأتي معها إلى الجامعة، وللأسف هي ابنتها وليست اختها فهي لا تناديها الا بكلمة ماما.

ابنتها اسمها آية وهي مثل امها آية من الجمال، عمرها لا يتجاوز الثالثة، ما يؤكد ما يردده الطلاب انها كانت ترافق أحد الشباب الذي غدر بها وحملت منه وهربت من اهلها لتنجب ابنتها وتعيشا وحديهما بعيدا عن الناس،كما أنه لم يكن أحد يعرف من أين توفر مصروفاتها هي وابنتها، فكان واضح عليها حبها الشديد لابنتها ولم تكن تبخل عليها بأي شئ.

كان أصدقائي دائما يتحدثون عنها وعن أمنية كل شخص فيهم أن يقضي معها ولو ليلة واحدة، كان يعتقد البعض منهم أنها تعمل كفتاة ليل، وكانت امنيتهم ان ترافق أي شخص منهم وبالتالي سيأتي الدور على بقيتهم.

كنت مختلف قليلا في هذا الشأن عن أصدقائي، فأنا مثلهم كنت أتمنى أن أتعرف عليها وأن تصبح لي صديقة، ولكني لا أقبل أن تصبح زوجتي، خوفا من المجتمع نظرا لسمعتها السيئة، كنت أتمنى أن تكون لي وحدي ودائما وليس لليلة واحدة، كنت أعتقد أن ورائها أمر جلل ومن الممكن أن تكن مظلومة وكل ما يثار حولها من شائعات من وحي خيال مروجيها.

أكاد أجزم أنه لم يكن هناك شاب بالجامعة الا وطارد سارة ليتعرف عليها، للأسف أغلب شباب مجتمعنا في عمرنا لا يفكر سوا في الفتيات والمتعة، أغلب الشباب يبحث دائما عن فتاة يتعرف عليها يضحك عليها، فنحن مجتمع لا يدين الرجل إذا عرف فتاة وأخطأ مع اخرى، وإنما دائما يقع اللوم على الفتاة.

أنا لم أكن أحب أي فتاة، ولكني صاحبت الكثير من الفتيات، وكنت مقتنع أنني لا يمكن أن اتزوج فتاة عرفتها وخرجت معها وصاحبتها، وهذا هو فكر أكثر من تسعون في المئة من شباب مجتمعنا، الكل يريد أن يتزوج فتاة لم تعرف أي ولد قبله أبدا، ولا حتى هو نفسه، لذلك كنت أرافق الفتاة لمدة وأغيرها حين أرى من هي أجمل منها، وكانت سارة بالنسبة لي حلم لا أسعى لتحقيقه فصائدي تلك الفريسة كثيرون وأنا لم أكن أريد المزاحمة مع أحد، كما أنني لا أقبل أن ترفضني فتاة، فكبريائي لا يسمح.

بالطبع هذا الفكر خاطئ وهو ما أدركته بعد ذلك كيف لنا أن نفكر بتلك الطريقة العنصرية الوقحة، هل المرأة ما هي الا سلعة نبيع ونشتري فيها، ألم تكن أمهاتنا في يوم من الأيام طالبة في المدرسة أو الجامعة وسعى أحدا أن يرتبط بها، أليس من الممكن أن تصبح بناتنا مستقبلا ضحية لأبنائنا بسبب هذا الأسلوب الفكري العقيم وهذا النهج الجاهلي المتخلف، للأسف ما نراه في شبابنا من سلبيات وكنت منهم، سببه عنصرية مجتمعنا ضد المرأة، فجميع شبابنا بهم جوانب جيدة مضيئة.

ما سبق وقصصته لكي يا ابنتي كان جانبي السئ للأسف والذي لا أفخر به على الاطلاق، أما عن جانبي الجيد هو أنني كنت مجتهد في تعليمي ودائم التفوق، وكنت أعمل على التدريس بالمجان في أحدى دور رعاية الأيتام، وأحب عمل الخير ومساعدة المحتاجين.

كنت أسعى دائما لان اتوقف عما هو سئ من افعال اقترفها، وأجاهد نفسي على تحقيق ذلك وللعلم كان وما زال هناك ملايين مثلي من الشباب.

في أحد الأيام قرر دار الأيتام الذي كنت اعمل به متطوعا، ان يفتتح دار حضانة للمحتاجين بأسعار رمزية وبالمجان لمن لا يستطع السداد ليرتقي بساكني الحي من الفقراء تعليميا، وكنت سعيدا بذلك ومتحمس للأمر جدا.

وفي ثاني أيام عمل الحضانة، وكنت من يقابل المتقدمين الجدد، حضرت سارة إلى الدار لتقدم لابنتها في الحضانة، وهنا كانت اول مرة تأتي لي الفرصة للتحدث معها وجها لوجه.

حينما رأيت سارة تدخل من باب الدار وفي يدها ابنتها آية لم تنزل عيني من عليها ولم أكن اشعر بأي شئ من حولي ولم أكن أرى سواها هي وابنتها، ولحسن حظي لم يكن هناك أحدا واقفا معي، سألت سارة موظفة الاستقبال عن المسئول عن تعليم الاطفال في دار الحضانة الجديد والحاقهم للتحدث معه، فأخبرتها موظفة الاستقبال عني وقالت لها السيد رامي من يقف هناك وحين نظرت إلي سارة أعتقدت أنها عرفتني أو شبهت علي على الاقل، وتحركت قادمة تجاهي و على الرغم من أنني لم اكن أبعد عنها سوى خطوات ولكنني شعرت أنها وصلت لي خلال وقت طويل، خلال هذا الوقت شعرت بحر شديد جدا وبرد لا أعلم من أين يأتي.

بدأت حديثها معي وألقت التحية.

سارة : صباح الخير استاذ رامي.

أنا : صباح النور.

لم أكن اعلم ما السبب وراء احساسي هذا، تلك ليست اول مرة أتحدث فيها إلى امرأة أو فتاة حتى وان كانت جميلة، كنت أشعر وكأني أقف بداخل فرن.

سارة : استاذ رامي أنا سارة والدة آية، وهي يتيمة وظروفنا الفترة الأخيرة قد سائت وقد كانت تذهب الى دار الحضانة المتواجدة على اول الشارع والتي اغلقت منذ فترة وكما تعرف أن باقي الحضانات إما بعيدة عن هنا او مرتفعة التكلفة، لذلك وحينما علمت بافتتاح الدار حضانة جئت لالحقها بها.

ذهني راح سريعا مفكرا أثناء حديثها إلى أمر في غاية الأهمية وهو أنها لم تعرفني، هذا الامر الذي أحزنني وزادني حرجا.

وحينما انهت كلامها رددت عليها: حسنا هذه هي استمارة عليك ان تعبئة بيانتها والتوقيع واحضار صورة شهادة ميلاد البنت وشهادة وفاة أبيها، وكذلك صورة من بطاقة هويتك.

ولم استطع ان امسك لساني وقد قررت ان اقول لها: ألست سارة الطالبة بالجامعة في الفرقة الرابعة، أنا زميل لك في الفرقة ومتطوع هنا للعمل منذ فترة ألم تعرفيني.

شعرت انني قد احرجتها واحمر وجهها ليظهر أمامي اجمل وجه رأته عيني على الاطلاق، وقد كان وجهها هو أجمل وجه رأته عيني قبل أن أرى وجهها وهو محمر خجلا وقتها.

سارة: آسفة جدا أنا شبهت عليك لكني لم اتوقع، أنا اسفة جدا.

هنا شعرت انها فرصتي للتعرف عليها ومصاحبتها فالان ابنتها ستصبح طالبة عندي، فأسرعت قائلا: لا يهمك انا سعيد جدا اني تعرفت عليكي، وعلى الجميلة آية.

سارة: شكرا على زوقك وانا سعيدة جدا أن زميل لي يكون انسان هدفه نبيل في الحياة مثلك استاذ رامي.

قاطعتها: لا تقولي استاذ، اننا زملاء بنفس المدرج، فلا يعقل ان أقول لكي مدام سارة، أليس كذلك يا سارة.

ضحكت ضحكة أصابت قلبي وجسدي برعشة لم أشعر بها من قبل قط.

وقالت: حسنا رامي انا سعيدة جدا بلقائي بك اليوم، سأستكمل الأوراق وسآتي لاحضارها غدا، مع السلامة.

قلت لها: وانا في انتظارك، وهذا رقم هاتفي يمكنك الاتصال بي في أي وقت، مع السلامة.

رحلت سارة وآية، وظللت واقفا في مكاني ولا اعلم ما هي طبيعة الاحساس الذي كنت اشعر به حينها، فلقد كنت اسمع دقات قلبي بوضوح، وأشعر بدفء، وارتياحية وسعادة، وتوتر وعدم راحة وقلق في نفس الوقت.

لم أتوقع أن تهاتفني سارة يومها بعد ان ذهبت، ولكني كنت على أمل أن تفعل ذلك، وحتى ساعات الفجر الاولى كنت انتظر أن تكلمني، وبدأ عقلي يتسائل عن عدة أشياء، هل حقا توفى زوج سارة مثلما قالت أم الحقيقة مثلما يقول طلاب الجامعة؟ هل اهلها سمحوا لها ان تتزوج في هذا العمر الصغير أم أن اهلها هم من أجبروها على أن تتزوج مثلما يفعل بعض الاهالي؟ هل سارة فعلا تعيش وحدها وليس لديها اهل؟ والسؤال الأهم هل ما شعرت وأشعر به تجاهها هو الحب؟ وكيف لي أن احب فتاة مثلها؟

في اليوم التالي وكنت لم أنم سوا ساعتين فقط ذهبت على الدار مباشرة لأكون في انتظار سارة حينما تأتي هي وابنتها آية للدار وبداخلي يدور كافة التساؤلات التي سهرت أفكر فيها طوال الليل دون أن أصل لاجابة أي سؤال فيهم، ومرت الساعات ولم تحضر سارة بعد وبدأت الاسئلة تزداد في عقلي، لماذا لم تحضر هل غيرت رأيها ولن تلحق ابنتها بالدار بسببي؟ هل أخطأت في حديثي معها بالأمس؟ هل لديها مشكلة اخرتها؟

وأخيرا وبعد طول انتظار جاءت سارة، وحينما دخلت من باب الدار أضاءت أرجاء الدار بجمالها المشرق هي وابنتها آية.

سارة: أسفة جدا يا رامي على هذا التأخير وكان هذا بسبب ذهابي لاستخراج الاوراق التي طلبتها.

رددت عليها باندفاع غريب قائلا: لو كنت اعلم أن تلك الاوراق ستأخرك لما طلبتها منك.

احمر وجه سارة مجددا من الخجل ولم ترد بأي كلمة فقط مدت يدها بالاوراق تعطيها لي فأخذتها منها ووجهت حديثي إلى آية: كيف حالك يا آية؟ فردت أنها بخير، فسألت سارة وكيف حالك يا سارة؟ فردت بخير حال والحمد لله كيف حالك انت؟ فقلت لها: بخير حال عندما رأيت آية فوجهها يضفي على من يراها الاطمئنان وراحة البال.

أثناء مراجعتي للأوراق وجدت أن أسم والد سارة هو اسم والد ابنتها آيه فاندهشت وظهر على وجهي اندهاشي وشعرت بي سارة فسألتني قبل أن أسألها هل آية ابنتها أم أختها عن هل يوجد مكان تلعب فيه آية حتى نتحدث سويا ونستكمل الاوراق، فأرشدتها على المكان وذهبت بآية لتلعب مع الاطفال الاخرين.

عندما ذهبت سارة بآية وخلال انتظاري عودتها لم يمر أكثر من دقيقة ولكن دار بعقلي التساؤل حولها من جديد، هل آية اختها؟ أم بالفعل هي أمها وليس لها أب فاضطرت أن تسجلها على اسمها؟ فكرت سريعا أن أنظر على اسم والدة آية بشهادة الميلاد، ووجدت ان سارة امها بالفعل.

إذا سارة هي الأم فعلا، والأب مجهول، ولكن هل هي ضحية أم متهمة، الاجابة لم تكن تفرق كثيرا، في النهاية هي ليست بحسنة الخلق مثل جمالها، هي بالفعل مثلما يروجون عنها في الجامعة.

عادت سارة وقالت: آسفة على العطلة التي سببتها لك، لنستكمل حديثنا.

قلت لها: الأوراق سليمة ومن الممكن ان تلتحق آية من الغد بالحضانة لا توجد مشكلة.

سارة: ولكني أرى على وجهك تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة، هل لي ان اتحدث معك قليلا؟

قلت لها: تفضلي.

سارة: في البداية أعتذر لك أنني لم أعرفك بالأمس، فأنا كما تعرف لا أجلس في الجامعة نهائيا ولا أعرف اي أحد هناك، فقط اذهب أحضر محاضراتي وأرحل سريعا وهناك من الشباب من يحاول مضايقتي كثيرا وأظن أنه لم تكن انت منهم يوما، وهذا ما شجعني على أن اتحدث معك فأنت تختلف عن الآخرين، وخلقك جعلك تلتحق بهذا العمل التطوعي الرائع.

فقلت لها شكرا لكي، وأنا سعيد بالتحدث معك.

فقالت سارة حسنا ابدأ بأسألتك وأعدك أنني سأجيبك بكل صدق.

بدأت أسالتي معها بمن هي سارة أريد أن أعرفك وهل انتي تعيشي وحدك انتي وابنتك ومن أين انت؟

أجابت سارة: أنا من بلاد بعيدة مات اهلي كلهم على يد أناس لا تعرف قلوبهم الرحمة طمعا في بيتنا، ونجوت أنا بمعجزة فوجدت نفسي وحيدة فجأة وفي الشارع وكان عمري وقتها ثمانية عشر عام، فقررت ترك البلاد حتى وجدت نفسي هنا في بلدكم الجميل هذه بأناسها الطيبون بدأت العمل في عدة أماكن، محلات ملابس ومطاعم وخلافه لأوفر لنفسي مكان أبات فيه وكذلك الطعام، وكان أبي قد غرس في أهمية التعليم وضرورة أن أستكمل تعليمي فقررت أن أتقدم لاستكمال تعليمي بالجامعة.

سألتها: وآية هي اختك فهي على اسمك وتحمل نفس اسم الأب أليس كذلك؟

قالت: لن تصدقني ان قلت لك كيف رزقت بها، ولكني سأحكي لك ولك حرية الاختيار، كانت تأتي علي أيام أتضور فيها جوعا لعدم كفاية المال الذي استطعت توفيره من العمل فقد كان همي الأول توفير ايجار مسكني ومصروفات الجامعة، فكنت أضطر في بعض الاحيان لأبحث عن الطعام وسط القمامة، وذات يوم وجدت حقيبة بها رضيعة، وكانت تبكي بشدة فاحتضنتها وأخذتها معي وذهبت بها للمستشفى، وهناك أسعفوها، وبدأت افكر في أمر الفتاة واحتياجي لها واحتياجها لي، نعم شعرت أنني أحتاج لها فأنا أفتقد الأهل فقررت أن تكون أهلي وأن اكون أهلها، وكنت أعلم أنها بدون أم سيكون لها مستقبل مجهول، وعندما سألوني عن بياناتها، قلت لهم انها ابنتي ولدتها منذ اسبوع ولكن الأب لا يريد الاعتراف بها وأنا يتيمة تركت بلادي لما حدث لي وفقدت اهلي جميعا.

فقلت لها: وماذا بعد؟

قالت: ساعدتني طبيبة على استخراج شهادة ميلاد لها، ومن وقتها أصبحت آية ابنتي وأنا أمها، وفي اليوم التالي رزقني الله بفرصة عمل جيدة فعلمت أن هذا رزقي ورزقها، بدأت أربيها وأشتري لها الطعام والالبان وتكبر امام عيني، حتى مر عامين ونصف وهي معي وأول كلمة نطقتها هي ماما.

سألتها كيف تعاملتي معها كأم وانتي صغيرة السن هكذا؟

قالت: تعاملت معها بفطرة الأم التي وضعها الله بداخل كل امرأة، وبالفعل أنا أمها انا لا اتحمل أن تطرف عينها، لقد كبرت امام عيني، علمتها وربيتها، انها ابنتي وأنا أمها.

قلت لها: هل تعلمين يا سارة ما يقولونه عنك في الجامعة، من يحسن الظن يقول ان هناك من غدر بكي وحملتي منه مما اضطرك أن تتركي أهلك وتهربي بعيدا عنهم، هل تعلمي أن هذا يضرك كثيرا هل تتحملي أن يقال عنك هذا.

سارة: دعهم يتحدثون عني ولكن لا اريدهم ان يتحدثوا عن آية، أرجوك ابقي هذا الأمر سرا بيني وبينك ولا تحكيه لاحد.

قلت لها لماذا لا تقولي للناس انها اختك وليست ابنتك؟

سارة: لقد أتيت للبلدة وحدي والتحقت بالجامعة وأنا وحدي دون أب او أم او أخوة ويعلم أغلب الناس أنني لست من هذه البلاد وبعد فترة ظهرت فجأة معي فتاة رضيعة وكبرت أمام الجميع ودائما تناديني ماما كيف لها أن تصبح اختي يا رامي.

قلت لها: فضلتي أن يتحدثوا عنك وبالتالي لن تجدي من يتزوج منك لما يشاع حولك من شائعات على أن يتحدثوا عن فتاة ليست ابنتك وامها الحقيقية ارتضت أن تلقيها بالقمامة، هذا أمر غير معقول، وماذاسيقول الناس عنها اذا ان عرفوا الحقيقة، ما ذنبها هي أن أمها كانت سيئة هكذا؟

سارة: سيقولون أمها سيئة، وأن ليس لها أب أو أم، وسيعتقد البعض أنها اذا كبرت ستكون مثل أمها الغير معروفة، ستكره ان تكون اما يوما ما، وعن سمعتي أنا فأنا أنوي فور تخرجي هذا العام الرحيل لبلاد جديدة لا يعرفنا فيها أحد، نبدأ حياة جديدة ويعلم الجميع أنني أمها وأن أبوها قد توفى وبذلك تكون المشكلات قد حلت، وأنا لا أريد الزواج، كل ما اريده أن أنشئ آية نشأة صالحة، أرجوك لا تخبر أحد بقصتي ودعهم على ما هم عليه، فلن يتضرر من مشاع القصة سوى آية فقصتي لن يصدقها الا القليل.

ووعدتها بألا أحكي قصتها لأحد، ولكني أخبرتها أيضا أنني كنت معجب بها بالأمس وأحببتها اليوم، نعم أحببتها وهي أول فتاة أحببتها فهي تستحق أن يحبها كل البشر فقلبها لا يمتلكه أي من البشر، ولا جمالها.

وعند نهاية العام الدراسي وظهور نتيجة التخرج رحلت سارة واختفت هي وآية، ولكنهما لم يرحلا عن بالي وقررت تسميتك أنتي وأختك سارة وآية.

امتلأت عيون ابنتي بالدموع وارتسم وجهها بابتسامة جميلة، وقالت أنا فخورة باسمي، كم كنت أتمنى أن أرى سارة هذه، من المؤكد أنها آية من الجمال فمن لديها قلبها أكيد لديها جمال لا يضاهى.

قلت لابنتي ولكنك انت اجمل يا حبيبتي، وأتمنى ألا تحكي لأمك أمر سارة وآية، فهذا سر بيننا والا ستكوني سارة يتيمة الأب.

ضحكت ابنتي وقالت لا تخف يا أبي سرك في أمان معي، سأذهب الأن الى كليتي إلى اللقاء.

كنت أعلم أن زوجتي ريهام تقف خلف باب البلكونة تستمع الينا ولكن لما الخوف فقد كانت هذه قصة أجمل انسانة في الكون زوجتي أم بناتي، أحببتها وتزوجتها وتركت بلادي وأهلي وأصدقائي من أجلها لأنعم بحياة جديدة معها ومع بنتينا آية الكبيرة والدكتورة سارة الصغيرة، وان كانت ستعاتبني على افشائي للسر، فأنا لم أذكر اسمها، كما أنني وعدتها بألا أفشي سرها لأحد من طلبة الجامعة ولا البلد التي كنا فيها.


  • 16

  • إيهاب محي الدين - Ehab Mohey
    مواطن مصري بسيط مواليد عام 1989 شهر اكتوبر، أحب بلدي جدا وأعتز بمصريتي، متخرج من كلية الاداب قسم التاريخ.
   نشر في 04 يناير 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

hiyam damra منذ 5 سنة
قصة مؤثرة فمشاعر الرحمة والأمومة سبقتا المصلحة الخاصة لدرجة أن تحولت العذراء لأم مضحية ضاربة عرض الحائط بالتقولات وفضلت انقاذ طفلة من التشرد ووعدم تركها للعيش بحرمان.. جميل تصوير تضحية فتاة بكل شيء من أجل انقاذ حياة طفلة ومستقبلها
0
اللـــه تســــترك من النار كما ســــترت على سارة واية ، جزاك الله كل خير، اجمل القصص الحقيقية والتي تبدو اغرب من الخيال ، تحياتي لك ولسارة واية ولكل العائلة .
0
اولا حفظ الله لكى ابنتك الغالية د.سارة
ثانيا أعجبني مقالك الهادف.. دمت ابا جميلا .. وحنون لاسرتك الكريمة ...
1
Sara Reda منذ 5 سنة
لم اقرأ ف حياتي شئ جميل كهذا .. شكرا لك ع هذا الشعور الرائع الذي انتابني حين قرأت ما كتبت :)
0
قصة جميلة مليئة بالمشاعر النبيلة والقيم الانسانية .. سلم قلم الكاتب
2
بسمة منذ 7 سنة
قصة رائعة جدا ....
في إنتظار قصصك دائما .
3

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا