نصيحة : لا تقرأ !
ضريبة القراءة
نشر في 20 فبراير 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هل تلاحقك المنشورات والنصائح المتطايرة حول القراءة؟!
هل تستفزك المبادرات المملة حول ضرورة المطالعة والاطلاع؟
هل تثير حنقك تلك الصور المتلاحقة حول قراء استعراضيين فوق الدرج وعلى الأرض في السماء وفوق الماء ؟!
هل يزعجك ذاك التهافت المصطنع حول المطالعة ومشتقاتها؟!
بصراحة هل تكره المطالعة وتريد أن تكون متميزا ناجحا في آن معا ؟!
خذها نصيحة مني : لا تقرأ ! إياك أن تكون قارئا في هذا المجتمع الموبوء !
ماذا يهم هؤلاء الناس أن تكون مطلعا قارئا فهيما متقد الذكاء؟ لا أحد سيعتد بك وبقراءاتك فما أنت برأييهم -إن قرأت- سوى متفلسف متعالم ممل بليد، ولا أحد يريد أن يسمع منك كيف سُرقت الميج 21 من العراق، ولا احد يريد أن يعرف ماذا أخذ دانتي ألغييري من أبي العلاء المعري، ولا أحد سيهتم بما حل بجاندارك أو ماري أنطوانيت أو زوجة هنري الثامن الأولى ولا الثانية ، وستبدو مغفلا وأنت تحاول الربط بين صبح البشكنجية وبين منظمة ايتا الاسبانية، وأن تجمع بين مزدك وقرمط وماركس ، لا أحد مهتم بمصير قطة شرودنجر ان كانت ميتة أم كانت على قيد الحياة، ولا احد قلق بشأن تجربة سيرن ومسارعها النووي، ولا بشأن مصير موسى الصدر أو أنستازيا رومانوف، ليس مهما أن تفقه كيف هزم اسكيبيو الافريقي حنبعل، أو أن تعرف ماذا فعل الرياضيون لنوبل ، كله لا يهم ، لايهم أن تعي ماكان بين العقاد والرافعي، ولا ما كان بين ولادة وابن زيدون، ولا ما كان بين مي زيادة وجبران، أو غادة وغسان ، لا يهم أن تعرف أو ان تجيد، هذا المجتمع لا تهمه تحليلاتك الفذة ولا معارفك الزاخرة ولا ثقافتك الهاربة ، أنت توزن بما تملك أو بما تظهر به، وغير ذلك فغجر الألفية الثالثة عنه ساهون.
صدّقني، القراءة رهان خاسر في مجتمعاتنا المظهرية المبنية على القشور وسفاسف الأمور ، ولن تكون ابدا ذاك الشخص السعيد والناجح الذي تعدك به المقولات والمآثر والحكم حول المطالعة، ابق كما أنت وإياك أن تقرب كتابا في حياتك، كن مثلهم جميعا انسانا ضيق الأفق حسير النظر، تأنق قدر ما تستطيع، اجمع المال وسافر وتبختر بين أقرانك بآخر موديلات السيارات، فإن لم يكن تفاخر بهاتفك، اقض أوقات فراغك في قضم "الكاوكاو" أو "الترمس"، وألعاب الفيديو والمعاكسة على مواقع التواصل الاجتماعي ، اهتم جيدا بتسريحتك و تعلم الحديث عن مغامراتك البطولية الوهمية ودع عنك لعنة قرأ ويقرأ وقراءة..
وأنتِ، عليك بعلبة الماكياج احفظيها تحفظكِ، والزمي القيل والقال فهي أنفع وأنجع لك، طالعي آخر لفات الخمار وطبقيها، ولا تنسي هوس السيلفي على الانستغرام والسناب فهذا أرحم لك من كتاب تشيخ عند دفتيه أناملك، كوني عقلا خاما خامدا لا يدري ولا يعلم ، فالبلاهة مع الجمال هي الخلطة الأنجع لمستقبلك..!
غُربة القراءة غربتان، فأما الأولى فهي غربة العوام، فأنت باطلاعك غريب بين أقوام لا تقرأ ، ستبقى وحيدا، غريبا ، معذبا ومنبوذا، القراءة تطور ملكات المرء وفكره، لكن روحه تموت ان لم يرعها محيط يحب القراءة ويشجعها، فما بالك إن عشت باطلاعك بين أقوام تعادي العلم وتحتقره بل وتفاخر بالجهل وتبعاته؟
والقراءة ممارسة جماعية وليست فردية، وفي عالمنا البائس هي ممارسة شاذة يُعتبر صاحبها طفرة في عالمه، بها يولد وبوبالها يذوي ويموت، حين تكون قارئا تحدجك العيون المستهجنة ، ويسميك اقرانك باسماء غريبة : المتعالم، المتفلسف، ابو عريف، الفاهم، وكلها مسميات تطفئ انتماءك اليهم أكثر مما تشدهم إليك، مادمت تترفع عن اهتماماتهم التي خبت جذوتها حين قرأت واطلعت.
وأما الثانية فهي غربة أشباه المثقفين ، أولائك الذين تنتصب رقابهم بكل حرف يقرؤونه، المتحذلقون مرتزقة المعرفة الذين لا تظهر عليهم سمة علم الا بوصمة كبر تزاحمها على وجوههم، والأنكى أنهم يتكبرون بأرباع كتب قرؤوها أو زعموا الاطلاع عليها، وبأنصاف معلومات طائشة حازوا عليها صدفة، ولانك قارئ بحق فستعاف معاشرتهم، وستتنزه عن معرفتهم مكتفيا بكتبك ووحدتك و غربتك..
هذه هي ضريبة القراءة يا صديق، وتلك هي نصيحتي، فهل تراك ما تزال تريد القراءة؟!
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
ولكن بالرغم من كل ما ذكرتيه ما زلت أحب القراءة ،وسأقرأ...ولا يهمني ماذا سيحدث أو ماذا سيقولون