رابط الاستماع على الساوند كلاود: هنا
حين طرق التاريخ بابها ذات مرة ، لم تكن جيجل تعرف الكثير عن بريق الحضارة
لكنها ابتدأت أبجدية وجودها بشهقة فينيقية لبثت في قسماتها النوميدية دهرا قبل أن يطرأ في خلدها سؤال روماني، كيف يأخذ الغزاة ماليس لهم؟
تكورت جيجل طويلا في أحشاء الزمن وتعاقبت عليها الليالي الوندالية والبيزنطية قبل أن يأتيَها الجواب إسلاميا عربيا ، يحدث ذلك حين تغفل عين التاريخ عن المدن وتخطئها سهام الحضارة.. حينها أطلت جيجل ترمق العالم بأحداق كتامية فأذعنت كالمنومة للبريق الفاطمي.
تشابهت على جيجل بعد ذلك الأيام مع الحماديين، لكنها تحسست ندبة نورمندية على سُحنتها لم تبرأ إلا بعبور الموحدين، كان ذلك قبل أن تُجهش ببكاء جنوي مُرّ تعايشت معه على مضض ثم أطرقت تنصت لضجيج التاريخ حولها.
غفت لدهر آخر ثم أفاقت لتعانق صباحا عثمانيا، فصافحت التاريخ لأول مرة ، وتلمست بأنامل الاندهاش قسماته العتيدة ، وتوشحت المجد حين أصبحت منفذا للهزائم الإسبانية، وزادت في الشموخ أكثر حين صارت أول عاصمة جزائرية.
مالت لتغفو مرة أخرى بعد أن زحفت عنها العيون إلى مدن أكبر ، لكنها بوغتت بطعنة دو بوفور الفرنسية فزمجرت غاضبة وقالت:" لقد وعيت الدرس جيدا، ليس للغزاة شيء في المدن الجبارة القوية" ، وتركت في خاصرة فرنسا شرخا لم تشفه فيما بعد عواصفها الانتقامية.
وكما لو أنها مدينة عتيقة عرفها الدهر منذ الأزل ظلت عصية في أحلك اللجج الفرنسية ، وكانت الشوكة الحانقة في حلق المحتل إلى أن جاءها الخلاص
فتبدت للتاريخ والعالم أجمع المدينة العريقة الفتية، الفاتنة والأبية.
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
اختيار جميل للتعبيرات والألفاظ.
ألف تحية لكِ ولكل أهل الجزائر وجيجل الكرام.