لم يستجب الله لي ..!
الكثير والكثير من الدعوات التي نبعث بها إلى السماء ولا تؤتِ ثمارها بالشكل الذي نرغب به !
نعم نحن حصرنا الخير وحصرنا استجابة الدعاء في شكل ما فإذا لم تأتِ الدعوة بما اشتهته نفوسنا جزعنا ..
لا عجب في ذلك ، فأمثالنا ممن لديهم من الإيمان القليل لا ينظرون أن المنع قد يكون عين الخير بل دائمًا نجعل المنع سخط وغضب وشرّ والأمثلة على ذلك كزبد البحر .
من فترة ليست بالقصيرة كانت لي أمنية ملأت الكون ضياء ، كانت مصباح في آخر طريقي أسعى إليه بكل ما أوتيت من قوة، كان كل حلمي أن أشعر بدفئه وأن أصل إلى ذاك الشعاع ، فعلت الأسباب الدنيوية الممكنة ، لعلّ التقصير أصابني قليلًا ولكن من منّا من يكون عملّه على أتقن وجه؟!
كنتُ متيقنة تمامًا أن الدعاء يُجبر نقص أي شيء ، الدعاء بإلحاح له مفعول السحر ، والله كان هذا يقيني ومازال ، كنتُ أردد دائمًا :
"قال كذلك قال ربك هو علي هين " ، باختلاف تشكيلها حينما كان الخطاب ل"زكريا" ، وحينما كان الخطاب للسيدة "مريم " ، كنت أرددها و في كل مرة كانت الدموع تهرب من عيني وقلبي يصيبه بَرَدٌ و تنتشر الطمأنينة بين جلبات قلبي .
كنت أسمع القارئ يقرأ " إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون " ، فأعلم أن ما أُريد قد كُتب لي لا محالة ، أدعوا الله في أعظم الأوقات وأحبها ، أنفض الغطاء في الثلث الأخير ، وأنتظر الفجر و لحظة الإفطار وغيرها من الأوقات المباركة ، لم أدع وقتًا إلا وقد كان لي نصيبٌ من الدعاء فيه، كان يقيني بالله قوي ، يشيب له الرأس بل وتتمثل لي دائمًا "لو استعنت بالله على جبل لأزحته" ، شيدت بناءً عظيمًا أساسه دعوة تركتها في جوف الليل ، كنت متيقنة تمامًا أنها كُتبت لي في اللوح المحفوظ ، وقمت بالإجراءات اللازمة وكانت متوقفة فقط على تلك الورقة ، التي أعلم جيدًا أنها ستأتي بما أريده ، كنت فقط أحتاج إلى إثبات أرضي على أرض البشر لا غير !
ولكن ..
ولكـــن !
أمسكت بالورقة ، لم أشأ النظر إليها فالنتيجة معروفة لا محالة!
ولكن قررت النظر حتى أتمعن قليلًا ، ولكن كانت بغير ما تشتهيه النفس !
نعم لم يستجب الله دُعائي... هكذا رددت تلك الكلمات في بادئ الأمر ، وبدأت دموع الجزع تنهال على خدين قد سخطا لأمر الله وما يريد،
تبّّا لهما !
كانت مثل صدمة ، لم أشأ التصديق وبحثت عن خطأ ، نعم لابد من خطأ ما ...
ولكن لا يوجد أخطاء ، لا يوجد سوى أن خطأي هو سخطي وجزعي لأمر الله ..
مصيبة في الدين قبل الدنيا!
لسان يتمتم بالحمد ظاهريًا وقلب يملئ جوانبه الجزع والسخط .. كانت كلمات تتردد
"لمَ ، لم يستجب الله !؟"
وظللت على هذا الحال بعد أن هُدم بنيان من الأمل في خيالي ، وأُطفئ هذا المصباح المنير في آخر الطريق وكأن الجواب كان واضحًا ..
ولكن تملكني الجزع برهة ولكن كرهت نفسي التي فعلت هذا بعدها ، سخِطت على نفسي حينما نظرت إلى أمي فوجدتها بجانبي وابتسامتها تملأ الكون ، سخِطت على نفسي حينما نظرت إلى نفسي فوجدتها تُبصر وتسمع وتتحرك بلا أدنى مقابل !
كرهت نفسي عندما نظرت حولي فوجدت أبي سليمًا معافًا ، عندما وجدت إخوتي بعافية لم يصبهم مكروه!
نعم ، لعل الله منع عنّي مكروه بدعوتي!
لعل دعائي كان الشر بعينه ، واختار ربي لي المنع عن حكمة ، ولكن عقلي الصغير في ذلك الوقت لم يعِ ذلك ، وبدأ سؤال يتضعضع داخلي " لقد أحسنت الظن بالله والله جلّ جلاله يقول "أنا عند ظن عبدي بيّ" ولكن !
ولكن سرعان ما كنت أستعيذ بالله من وساوس الشيطان وأُحاوِل أن أُعيد عقلي إلى رُشده فإيماني ليس بالقوي الشديد حتى أستطيع أن أصبر صبر أيوب ٍ عليه السلام ، قال ابن الجوزي كنت أقول للشيطان :اخسأ يا لعين !
حاولت المجاهدة وحرب قد نشبت بداخلي لم أستطع السيطرة ، ولكن أخذت ما أخذت من وقتها ، حتى خمدت نيرانها ، وعُدت إلى حالة من السلام الداخلي نوعًا ما ، وقد هبت رياح من نوع آخر ، رياح الندم على ما راودني من جزع لقضاء الله ...
كانت مشاعري متخبطة ولكن ما يجب أن نُقرّ به قلبًا وعقلًا :
أن ربك لن يمنع عنك خيرًا فكيف إذا طلبته منه سبحانه !
لعلّ المنع خير ولكن عقلك لا يعِ ذلك ، لا يعي سوى التذمر !
أنت لا تعلم الغيب ولا ترى المستقبل ، ولكن في القريب العاجل ستعرف جيدًا أن ربك قد اختار لك عين الخير .." لو اطلعت على الغيب لاختارت ما اختاره الله لي " !
لعل الله منع عنك شرًّا كان ليفزعك أضعاف الفرح بإجابة دعوتك ..
لعلّ الخطأ منّي ، وكانت المعاصي سدت طريقي لتحقيق الدعاء ..فيقول بعض السلف "لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي ".
يقول ابن الجوزي :
ثبتت حكمة الله بالأدلة القاطعة ، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً ، والحكمة لا تقتضيه ، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر ، يقصد بها المصلحة ، فلعل هذا من ذاك .
أخيرًا ربما كان الله يُحبك فيريدك بجانبه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء ، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول ، وهذا الظاهر ؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه ، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك !!
فأما ما يُقيمك بين يديه ففيه جمالك يا صديقي ..
ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة ...
-
Maryam Tahaطالبة بكلية الطب ، أهوى الكتابة شعراً ونثراً ، لي آرائي الخاصة التي أحب أن أبرزها للعيان بشكل بلاغي ..