مرحبا بك أيها التافه فأنت ضمن قائمة القادة الأكثر تأثيرا في البلد
نشر في 31 ديسمبر 2016 .
اقفز، اصرخ، هرج، تمايل بيمناك ويسراك، ثم تحت وفوق..، أصدر أصواتا غريبة مطلسمة، تكلم بلا معنى ولا مغزى، اختلق قيما جديدا المجتمع، استفز مشاعر الآخرين، استهزئ بأحدهم أو بفئة، انبح، انهق حتى، افعل أي شيء لا يهم ...
بعد ذلك عليك أن تكون في قمة الارتياح وتكون مطمئنا عالآخر إذ بعد مدة قصيرة فقط ستجد من حولك آلاف من المعجبين ممن ستصفق لسخافتك، وستجد من يضحك على عروضك البهلوانية، و من ستغريهم قذارتك تلك، وستجد من يرفع القبعة للميوعة التي أنت بطلها.
وستجد الاحتضان اللا مشروط من مواقع التواصل، وبعد أن يتجاوز عدد متابعيك بضع مئات أو حتى ألاف ستصبح مشهورا بشكل كبير، ثم ستنهال عليك آلاف من رسائل الإعجاب من كل صوب وحدب لتشجيعك على الاستمرار في عملك الموفق جدا، بعد ذلك ستجد نفسك أمام عروض الاستضافة في وسائل الإعلام والمهرجانات والمنتديات، وخلال نهاية السنة مرحبا بك أيها التافه فأنت ضمن قائمة الشخصيات الأكثر تأثيرا في البلد.
ببساطة هذا كل ما نراه ونعيشه وأصبحنا نتعايش معه –مكرهين- كل مرة دائما خلال نهاية كل سنة، حيث تخرج عليك مختلف المواقع والجرائد والمؤسسات الإعلامية بأشكالها وأحجامها المختلفة باستطلاعات رأي تحت مسمى اختيار أحسن الشخصيات خلال السنة في مجالات مختلفة، بالطبع في عملية يكون فيها هامش الاختيار معد مسبقا على مقاس وجهة نظر المؤسسة في اغلب الأحيان، أو من وجهة نظر فئة منتقاة بعناية ممن يحملون صفة جمهور أو متابعي الموقع أو المؤسسة.
لكن ليس هذا المشكل أصلا، وليس هذا ما يجب أن نقف عليه، لكن الإشكال الأعمق واللعبة الحقيقية هو في ذلك التوهيم بأنك أمام عملية اختيار حر حقيقية، فهم من سيعدون لائحة الأشخاص، لكن يوحى إليك أن الجمهور هو من له كامل الصلاحية ليختار أحسن الشخصيات من القائمة، في عملية يبدو عليها أنها بريئة في الشكل طبعا، ثم يقول لك: صوت على من تراه الأحق من هؤلاء الأشخاص، هنا ينتهي دورك ببراءة أكثر.
فالأمر ليس كما مظن على أنه مجرد مواد يتم بثها، أو حتى رأي عام يتم تشكيله أو قياسه وتوجيهه. إنها حقيقة تتعلق بصناعة السياسات والتوجهات وحتى العقليات، والتي يتم توليفها سلفًا في غرف صناعة القرار من القلة المسيطرة التي تمتلك هذه الوسائل الإعلامية...، وطبعا كما هو معروف فالذي يسيطر على الإعلام هو من يحكم فعليًا في آخر المطاف.
حتى لو افترضنا أن الشخصية التي قمت بالتصويت لها هي من تم اختيارها كشخصية السنة، فذلك لا يعني أنك منتصر على أية حال، ففي كلتا الحالتين أنت منهزم وملعوب عليك، لأن قبولك للدخول في اللعبة من الأساس يوقعك تلقائيا وبشكل لا إرادي في فخ مصيدة التفاعل مع المعروض، الذي يكون في العادة الصورة التي يريدها صاحب المؤسسة الإعلامية أن يرسخها وينمطها في الذهن، في انتظار استيعابها على أمل تبنيها والدفاع عنها أيضا.
فالإعلام بكل مصادره لا يهب لك الحقيقة بقدر ما يهب لك "وهم الاختيار"، وهي سياسة للتحكم في العقل وتنميطه على قالب معد مسبقا، على مقاس ورغبة فئة قليلة حاكمة ومتحكمة وساعية إلى الحفاظ على السلطة من خلال القوة الناعمة التي تشكلها وسائل الإعلام.
فوهم الاختيار هو الكذبة الكبرى التي مررت على الشعوب في كل السنوات البعيدة الماضية، خاصة من خلال الاستراتيجية الأنجع: “اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون”.
ببساطة، لا أنت تختار الذي تريد كما يبدو لك، رغم كل ذلك الكم من النماذج المختلفة والقائمة الطويلة من الأسماء التي توحي بأنك الواحد الذي يملك سلطة ذلك، ولا أنت تقرر أصلا ما الذي يجب أن يكون مؤهلا ليدخل لائحة المنافسة، ببساطة أخرى كل الأمور تكون معد مسبقا، وكل الاختيارات متحكم فيها بشكل قبلي، مهمتك فقط تقتصر على التلقي والتفاعل مع المعروض في أفق التكيف مع الوضع كأمر واقع وكشيء بديهي.
فما يفعله الإعلام هو شبيه بمحاولة إقناعك بأن رجلا أخرسا قال لرجل أطرش إن رجلا أعمى شاهد رجلا مشلولا يلحق برجل مقطوع اليدين ليمنعه من شد شعر رجل أصلع !!!.
ستعجبك القولة رغم أنك لم تفهم منها ولا شيء، كذلك حقيقة الإعلام يغريك بالأشياء، وتلقى إعجابا منك كمتلق، لكن لا يريدك بالضرورة أن تفهم؛ فالهدف وهو ألا تخرج بأي شيء منطقي، فاللا-وضوح وضبابية الأمور هو الوضع الأنسب والأمثل لجعل الأمور دوما تحت السيطرة.
إن العملية برمتها تضليل وخداع في الصورة وطريقة تقديمها، على أسس تطويع الجماهير، وعندما يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح تنتفي الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة كما يقول بذلك “باولو فريري”، ويكون بذلك قد تمت إصابة الهدف بنجاح تام وبأقل الأضرار الممكنة.