بكوبٍ من القهوة ، و على وقع ألحان أغنيات لفيروز يستفتح البعض بقراءة رواية ما ،قد تمتلئ و تفيض بحشوٍٍ مبتذل عن رومانسية مفقودة و ما قد يُشابهها من مشاعر مكبوتة ، أو كتاب يُحدثه عن طرق النجاح السريع باستشهادٍ ببعض المشاهير فى عالم الفن ، الثقافة ، المال و الخ من مجالات ، رغم ان نجاحهم لم يعتمد بشكلٍ أو بآخر بتلك الكتب و ما تحتويه من مُزايدات على أحلام يعج بها عقول قرائها .
لكن ، منذ متى قد صارت القهوة أو فيروز و صوتها من طقوس القراءة ؟ و هل قراءة كل ما قد يندرج تحت تصنيف " الأدب التافه " يُعبر حقا عن هواية حميدة ؟ ، أم لتشجيع البعض للقراءة صار لزاما علينا أن نرحب بكل هُراءٍ يُحفظ بين مجلدات الكتب .
مؤخرا ،ظهرت عدة ظواهر غريبة نتج معظمها من حالة الحث الدائم على التعلم و القراءة و التثقيف الذاتي . فصار لكي تتخذ وضعا بين أقرانك ،عليك أن تبدوا دائما و أبدا ذو متابعة لسوق الروايات ،أو ان تكون مؤلف موهوب لما تيسر من أبيات الشعر -الركيك- أو فلتمسك كتابا ربما قد يكون غير مفهومٍ أو عديم المعني ،لكن يكفيك سببا أن قائمة "الأكثر قراءة " لم تخل من ذكره .
اذا ، فنحن أمام حالة يمكن وصفها ب"ادعاء القراءة " بخواء محتواها ، فالبعض صار يقرأ لمجرد ظهوره قارئا أو مثقفا ، مثل من صار يكتب لمجرد ظهوره ككاتبٍ أو مؤلف أو حتى شاعر . و أصبح يُصاحب تلك الظاهرة ، ظاهرة تختصر بمسمى "عُمق " و ينعت صاحبها ب"عميق" ، فبالاضافة للصفات السابق ذكرها ،ينكفئ ذلك الشخص ، على مشاركة صور مُباح العري فيها ،بشرط أن تتلون بالأسود و الأبيض كفصيلٍ لها يفصلها عن الصور الاباحية ، أو أن يشارك صورٍ تعج بدخان السجائر أو النرجيلة ، ولا بأس من الحشيش لكي تبدوا أكثر انفتاحا ، و يزيد للفتيات أن يُسمح للسانها بالتلفظ بالسبابِ حتى تبدوا كفتاةِ منفتحة متحضرة أو كما يسمونهم "أوبن مايندد " .
و أمام تلك الحالات ، يُحفزها سوق روايات اللاشئ أو كما تصنف بالأدب التافه ، فيكفيك أن تنسخ أو تبتذل قصة تنعتها بالرومانسية أو أي شئ بلا فائدة تذكر ، و تحشيها ببضع ألفاظ خادشة و تجسد بضع مشاهد جنسية تستقطب المراهقين أو متأخري المراهقة ، لتصنع رواية تُوصف فى سوق النخاسة "بالرائجة" ،لتُشبع رغبات مُدعي القراءة ،بالظهور كقراء و متابعين لسوق الأدب المعاصر .
تلخيصا، لا نقلل من دور القراءة أو نحتقر ذوق حد ، لكن وجب علينا التمييز ، بين الفن الحق و الفن المسخ ، بين الثقافة و ادعائها ، بين هواية القراءة كوسيلة للتثقيف و التعلم و الانفتاح و التحضر ،و بين من يجعلها هدفا فى حد ذاته . فحاليا صار الغالب شح المنتوج الأدبي أو الثقافي ، و صار قراءة سطر يمس أى موضوعٍٍ من قريب أو بعيد ، سبب كافي للاستدلال بذلك السطر و بناء عليه موقف صارم و وجهة نظر .
لذلك علينا أن نعود الى مبادئ القراءة الأولية كوسيلة للعلم و المعرفة ، فيكفينا تيهًا و يكفينا مزيدا من مدح ما نحن فيه من تيه .
-
عمرو الداليمدون مصري