علمنا من خلال المقال السابق المواجهة العسكرية بين جيش الدنيا القادم من مصر ـ بوصفه الشنيع كما ورد في المقال السابق ـ وجيش الآخرة المتمثل فى قوة الوهابيين، وانتصر فى البداية جيش الآخرة على جيش الدنيا فى أول ملحمة بينهما، انتصر الحق على الباطل؛ انتصر صائم رمضان القائم لله، على الزانى شارب الخمر، ولكن دائمـــًا الحق يحتاج قوة مستمرة لحمايته، ولكن كيف والجميع مع الباطل؟! قبعة عثمانية مع سيف مصرى بإشراف بريطانى للقضاء على دعوة كل هدفها اتباع الدين الصحيح.

انهزم (طوسون بن محمد علي) أمام الأمير (عبد الله بن سعود) وتحطم نصف جيشه؛ فخرج الباشا والده بنفسه للحجاز 1813م، وقبض على شريف مكة وصادر كل ما يملك؛ وأصبح من موظفى الباشا، وانتصر على القوات السعودية فى موقعة "بسل" وهي الموقعة التى يعتبرها البعض من أكبر وقائع الحرب الوهابية، بل من أهم معارك تاريخ مصر الحربي.

عاد (محمد على) إلى مصر تاركــًا ابنه بالحجاز، وسرعان ما تمكن من هزيمة السعوديين هزيمة جديدة لأول مرة بعد كسر شوكتهم على يد أبيه، وأصبحت الطريق مفتوحــة إلى "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية الأولى، وأسرع الأمير السعودي يطلب فتح المفاوضات حقنــًا لدماء المسلمين.

استغل (طوسون بن محمد على) طلب الصلح، وفرض على الأمير شروط مجحفة ظالمة - ابن الوز عوام – و من أصعب هذه الشروط احتلال القوات المصرية "الدرعية"، هذا يعني سقوط الدولة، وأن يضع الأمير نفسه تحت تصرف ابن الباشا؛ يضع صاحب الأرض نفسه تحت طاعة المحتل... ياللبجاحة.

غير أن هذه الشروط لم تُقبل من جانب الأمير السعودي، وقرر إرسال وفد إلى مصر للتفاوض مباشرة مع (محمد على) حول شروط الصلح، إلا أن الوفد فشل فى مسعاه بسبب تشدد الباشا، وهذا يعني استمرار الحرب؛ فأرسل حملة جديدة عام 1816م بقيادة ابنه (إبراهيم باشا).

زحف (إبراهيم باشا) بقواته من الحجاز صوب نجد؛ ونجح فى الاستيلاء على عدة مدن باستخدام سياسة الملاينة مع القبائل واستمالة عدد كبير من أهل نجد، ومنح الهبات للناس، ومنع السلب والنهب، واستطاع بخبرائه العسكريين الفرنسيين أن يواصل زحفه إلى "الدرعية"، وأُرسل الأمير السعودي فى حراسة مشددة إلى مصر، ثم إلى استانبول، وشُـهر به فى شوارع استانبول ثلاثة أيام كاملة، ثم أُمر بإعدامه شنقـًا، فرحمة الله على ذلك المظلوم، وستظهر حقيقة مقتله يوم الأشهاد.

إن الشعور بالظلم أحيانًـا لا يساوي شيئًـا أمام أُمة خضعت لتدخل أوروبي واضح، نعم فتعرض الأمير السعودي للظلم أمر بسيط وهين أمام سقوط دولة إسلامية قامت على المنهج الصحيح للدين الإسلامي، وعندما يُلقى على الأسد الجريح من أُمة ضحكت من جهلها الأمم الطوب والطماطم؛ كان في قرارة نفسه مسامحهم؛ فهم قومٌ لا يعلمون؛ فلا سلطة بلا دين، ولا دنيا بلا دين، فقد رُفعت القضية لرب العباد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فكيف يُــعدم وهو الذي دعا إلى صلح أهل الجزيرة مع (طوسون باشا)، لقد بينوا أنهم يعترفون بإمارة السلطان العثمانى وأنهم لا يخرجون عن دولة الخلافة، فلم إذن الإصرار على توجيه قوات (إبراهيم باشا) إلى جزيرة العرب؟

هكذا أُزهقت أرواح المسلمين نتيجة كيد الأعداء، لقد قام أهل الجزيرة بمساندة المصريين من قبل الحملة الفرنسية ـ والتاريخ يشهد ـ فلماذا هذا الاعتداء المتعمد؟ فوالله الموضوع بالكامل يتعلق بالدين ياسادة وليست الأرض.

إن قضية الولاء كانت غائبة تمامًـا عن (محمد على)، والدليل أنه أعطى ولاءه لأعداء الإسلام، وسمح لهم أن يقودوه ويقودوا الأمة معًـا إلى حتفها، وهذه نتيجة عملية لوصول تاجر دخان ظل غير معروف النسب إلى سدة الحكم فى بلاد المسلمين.

لقد كانت سعادة بريطانيا كبيرة عندما علمت بسقوط "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية الأولى فى أيدي قوات (إبراهيم باشا)، وهنا يجدر بنا أن نسأل لو أن جيوش الباشا وجيوش الدولة العثمانية تعاونت مع الدولة السعودية الأولى بدلًا من أن تحاربها، لتقف ضد الأطماع الأوروبية بشكل عام وبريطانيا بوجه خاص؛ إنه لو تم لتغير وجه التاريخ، خاصة أن الدولة السعودية دولة مسلمة قامت مبادئها على المنهج السلفى الصحيح، والعالم الإسلامي كان فى أمس الحاجة إليها فى تلك الفترة.

على أى حال أسرعت بريطانيا تزف التهاني إلى (إبراهيم باشا) لاستيلائه على "الدرعية"، وبدأ التنسيق بين قواته البرية، والقوات البريطانية البحرية للقيام بعمل حربي مشترك ضد القواسم أتباع الدولة السعودية الأولى؛ للقضاء على الدعوة بشكل نهائى.

ولكن كيف تم استغلال (محمد علي) للقضاء على الإسلام نهائيًـا فى شرق أوروبا؟!!

"يتبع