عبق التاريخ العراقي والعربي تفوح آثاره هناك، فهو ليس كأي مقهى تقصده، إنه قصة تاريخ وحياة يضم أجزاء هامة في حياة العراق الماضي والحاضر.
حالة متفردة يعيشها مقهى الشابندر القابع في قلب "شارع المتنبي" شارع الإبداع والثقافة، أهم شوارع بغداد الثقافية، ففيها سوق مفتوح ومتميز للكتاب العراقي، ولأكبر وأهم دور النشر هناك.
أن تزور "الشابندر" يوم الجمعة فهذا يعني أنك لن تجد مكانا لقدم داخل المقهى الممتليء عن آخره في يوم بغداد الثقافي الأسبوعي، جدران المقهى مليئة بالصور واللوحات التي تخط تاريخ وذكريات المكان، الحضور يتناقشون في شئونهم الثقافية والسياسية ويبحثون واقعهم على قع نغمات شرقية، و"كستنات الشاي"، وغيرها من المشروبات.
و أن تزور العراق بدون أن تزور مقهى "الشابندر" أو "الزهاوي" فأنت بالتأكيد فاتك الكثير.. خلال زيارتي للعراق أسعدني الحظ أني زرت شارع المتنبي الذي عشت سنوات طوال أحلم بالذهاب إليه ومطالعة الكتب والبشر والحالة العراقية التي أسمع عنها من الأصدقاء الذين زاروه، ومنه إلى الشابندر.
خلف مكتبه البسيط يجلس الحاج "محمد الخشالي" الذي يعرفه القاصي والداني، أغلب الرواد يعرفهم بالأسماء، ويتبادلون الحديث والتحايا مع مرارا خلال الحوار معه..
الخشالي شيخ كبير، سعى طويلا للحفاظ على هوي هذا المقهى الثقافية، وعمل جاهدا حتى لا يجري استبداله بمحال تجارية، في بداية التسعينيات، هو مكانه الأثير الذي أصبح اليوم يجر عليه أقصى ذكريات الوجع، فهناك فقد خمسة من أفراد عائلته ذات صباح حافل بالتفجيرات.
يقول الحاج محمد الذي تجاوز سنه السبعين من العمر لي الشابندر ليس كأي مقهى، تأسس في العام 1917، ومنذ هذا الوقت وهو يعمل كمقهى يرتاده الأدباء والشعراء و المفكرين.
سعي الحاج محمد الحثيث وعمله الدؤوب لأن يبقى المقهى ويستمر في دوره كأحد منارات التنوير ومقاهي العراق الثقافية دفعه للسعي والاستغاثة خوفا من انتهاء أمر المقهى واندثار تاريخه، إلى أن حصل على قرار باعتباره من المرافق السياحية التراثية، الأمر الذي يضمن للمقهى الاستمرارية كأحد مزارات العراق السياحية الثقافية الهامة.
جاءت نشأة المقهى العراقي التاريخي مع بداية الاحتلال الإنجليزي للعراق، أسس مكان مطبعة كانت تحمل نفس اسمه، وكان إغلاقها لأسباب سياسية بالأساس.
تحولت المطبعة إلى مقهى، لكن ليس كأي مقهى عادي، كانت تجمعا للمحامين والمفكرين العراقيين يبحثون عليه كافة الأمور لاسيما السياسية منها، ومن على الشابندر جرت العديد من التجمعات التي كانت نواه لأحزاب سياسية قادت الشارع العراقي في نضالاته ضد المحتل الانجليزي.
يقول الخشالي، المقهى ومنذ آلت ملكيته إلينا في ستينيات القرن الماضي ونحن نعمل على أن يكون مكانا مميزا يرتاده الأدباء والشعراء، ليكون منتدى لهم منفتحا على كافة الأزواق وصور الإبداع، إلا أنه وفي 2007 وقع تفجير كبير أودى بحياة أربعة من أبنائي وحفيدي.
ويكمل الشيخ الكبير والدموع تترغرغ من عينيه:" برغم هذا رمم المقهى وعاد ليؤدي دوره وليستقبل المثقفين العراقيين، وزواره من مختلف الجنسيات الأخرى".
الخشالي يرى أن لديه مبدأ، وأنه من خلال إدارته لهذا المقهى التراثي الثقافي يقدم خدمة للثقافة والإبداع العراقي، الذي يعتز به ويعمل على أن تظل الشابندر رمزا وتجمعا للثقافة والإبداع العراقي.
وتستمر الشابندر كذاكرة ثقافية عراقية حافلة بالعديد من الأحداث التي تؤرخ تاريخ ومسار العراق على مدار ما يزيد على قرن.
-
ولاء عبداللهصحفية مصرية متخصصة في الشئون العربية . عملت فترة طويلة في الصحافة الثقافية . مدربة معتمدة من مؤسسة "D W"الألمانية سافرت إلى عدد من الدول العربية " ليبيا، العراق، الكويت، الإمارات" في تغطيات صحفية صدر لي كتاب "جبرتي الثقاف ...