إذا كان للحب شفيع و قديس، فالنسيان يحتاج آلهة.
من أجل مصائب كهذه وجدت العناية الإلهية.. و وجد الأدب.
- أحلام مستغانمي❤
_______________________________________
تضيق بنا الحياة، لكننا أبدا لا نستسلم. نقاوم، نواجه، نتحدى.. لأننا ذات لحظة عابرة، تلك التي سقطنا فيها مرارا في طفولتنا، و بكينا لمجرد اصطدامنا بالأرض. و لم نحظى باهتمام المحيطين بنا لانشغالهم بعوالمهم الخاصة، تعلمنا معنى الصمود، و أن المصائب حين تأتي ، لاتأتي في أحايين كثيرة دفعة واحدة.
سقطنا حينها و استندنا إلى الجدار و نهضنا، ثم استجمعنا قوانا. منطلقين إلى الحياة، بدعوى أننا يوما سنكبر و سننسى. و كبرنا و نسينا أن ننسى، بل و كيف يكون النسيان؟
إننا لم نتلقى أصوله و أبجدياته قط، ففي المدارس مثلا، اختبرنا الكتابة عن كل شيء في دروس الإنشاء. و جربنا الحديث بأقلامنا عن كل المواضيع و لكننا أبدا لم نكتب عن النسيان..
تخيلنا أننا ممدين بأجسادنا الهزيلة على شواطئ البحر مستمتعين برماله و شمسه.. و قد كان أكبر أحلامنا حينها أن نزور بحرا. بعدما مللنا الشطف و التراشق بالماء في البحيرات و وديان مناطقنا النائية ، البعيدة و المستبعدة...
كتبنا إذن عن البحر و حدائق الحيوانات، رسمنا صورا مشابهة للأسود في ذاكرتنا فقد اعتدنا على رؤية الخنازير في فصل الصيف لحظة هجومها على المحاصيل الزراعية و حقول الذرة.
كتبنا كذلك عن الرحلات المدرسية و متعة السفر بينما نحن لم نغادر قرانا يوما ، و حين فعلنا كان لأجل أن نستكمل دراستنا بمناطق أكثر عزلة و تهميشا و إقصاء من مناطقنا المنسية..
كتبنا و أعدنا الكتابة في المواضيع ذاتها في كل مراحلنا الدراسية. و كذلك فعلنا عند ظهور مواقع التواصل الإجتماعي. و أبدا لم نجتهد في الكتابة عن النسيان ، بل و أضحى بوسعنا و التكنولوجيا تبارك خطونا أن نثبت للعالم بصورة واحدة أن خيال الكتابة عن هذا المكان و ذاك لم يعد حبرا على ورق.
كما صار بمقدورنا بفضل التكنولوجيا طبعا أن نعلق على كل الصور بكلمات مسروقة لا هي منا و لا هي لنا.
أسقطنا عن صاحبها ملكيتها و صرنا ننشرها بأسمائنا بعدما عجزنا عن تركيب جملة واحدة، لأن دروس الإنشاء التي تلقيناها لم تكن كافية و لا كفيلة بأن تجعلنا جيدين إلى حد ما في التعبير عن ذواتنا. لاننا في الأصل ما كنا نكتب عن أشياء تعنينا و تحيط بنا و نعيشها يوما بآخر. و حين بتنا نعيشها خانتنا الكلمة ، و الأساليب منا تجردت. فأصبحنا من صورة إلى صورة ، و من تدوينة إلى أخرى. إلا أنها لا تمث للقلب بصلة، فجلها مزيفة و كتبت بإحساس لم يعش اللحظة التي التقطت فيها الصورة و همنا فقط توثيقها ثم الإنصراف لعزلتنا القاسية و جدران غرفنا الباردة. نبحث عن بصيص نسيان يمنح لذاكرتنا المثقلة بالأوهام الهدوء للحظات.
لقد بتنا في أمس الحاجة إلى النسيان، لعل أرواحنا تحظى بالإسترخاء و الصفاء لبضع دقائق من الزمن، و لعل مدنا من الفواجع بأعماقنا تنهار و نرتاح منها للآبد.
فكيف يكون النسيان و الحياة تسير بنا نحو الهاوية؟؟
في المدارس أيضا درسونا العبادات و العقائد و السيرة النبوية، حدثونا عن الله، و عن التوحيد و أغلب مدرسينا في الأصل لا يجيدون فرائض الوضوء و لا يصلون، بل و لا يعرفون عن العقائد و العبادات سوى ما وجدوا عليه آباءهم و علموا بعضه في مدارسهم ، فعرفنا أن الله موجود لا لأنهم أخبرونا بذلك بل لأن في كل بيت من بيوتنا شخص يصلي بصورة الفاتحة و الإخلاص بلسان لا يجيد النطق بالكلمات كما يجب لأنه لم يدرس و لم يلج المدرسة يوما.
عرفنا الله في طفولتنا و لم نطلب منه شيئا، كانت عيوننا تتعلق بالسماء ، فالله هناك يرانا و لا نراه. و كثيرا ما هتفنا " نحبك يا الله"...
لم يكن و جوده يعني لنا أكثر من يقيننا بوجود خالق لهذا العالم فنسينا أن ندخر عنده أمنية تحمينا من بؤس صار ينتظرنا عند كل المحطات و نحن لم نتلق بعد أبجدية النسيان كما تلقينا صفعة خذلان لم تكن في الحسبان، فأخبروني كيف يكون النسيان؟
-
حفصة الحسنامازيغية الأصل، عربية الحرف، جبرانية الطبع ورومانسية الانتماء♥️