لو كنت مهندسًا معماريًا، لشيدت مدينة مجهولة، في إحدى الجزر النائية التي يخشاها الناس، ربما لبعدها عن جميع وسائل الراحة، أو لكثرة الأساطير والشائعات المتدوالة حول مدى بشاعتها.
من الخارج سأدهن أسوارها باللون الرمادي، لون الحقيقة ربما، مع بعض نثرات فوضوية من اللون الأزرق، لون الألم. ثم أسميها مدينة المهمشين والمتعبين.
سأبني جدرانها من الحصى المتناثر على الطرقات، الحصى الذي يركله البشر، سأصف الخزى كعماد خاص لهذه المدينة، وأضع التعب على رأس القائمة وبينهما اللاجدوى.
مدينة خاصة للمهمشمين، أولئك الذين تغرقهم الحياة في شبر من الماء، وتنكر الأرض هوياتهم، الذين يتمنون لو أن وحشا اسطوريا التهمه أو تبخرت أجسامهم وتناثرت في الهواء. الذين تخنقهم سواءاتهم ، وتتآكل رؤوسهم.
لو كنت فنانا، لرسمت لوحة بشعة للغاية، لوحة لا تحمل أية ذرة من الإبداع، فجميع الجمال الذي يشيعون الحديث عنه ليس إلا قبحا، الألم الوجه القبيح للحقيقة، الخزي وجه شائه، الفن صرخة عبثية. كنت لأنعم على القبح مذاق الأصدقاءِ المخلصين، لخلعت عنه رداء المنبوذين، وعينت أديبًا بارعًا ليكتب قصته:
" لا أدري كيف مرت الليلة التي ولدتني بها أمي، أخبرتني بعض أكوام القمامة التي ألقتني بها بعد انجابها دون أية ذرة من الندم، لربما شعرت أنها أنقذت الأرض من هذا المسخ الذي ألقاه رحمها الملعون، فلو علمت ذلك لما تجرأت وأنجبتني، لم أري وجهي يوما في المرأة، كل ما أدريه أن الجميع يشيحون أنظارهم فور رؤيتي، ويكتمون أنفاسهم حين أمر، ثم يتعوذون بالله من هيئتي، ويقذفونني بالحصى والقذارة.
كل ما أتمنى أن تحبني فتاة ما، وأنجب بعض الأطفال، وأحيا حياة هادئة"
لو كنت خياطًا، لصنعت للخزي عباءة الإخفاء، وللألم رداءً قصيرا لا يعرقله، وللتعب ثوب يمتص دموعه، وللحب ثوب بنفسجي فهو لا يحب الأحمر على أية حال، وللقبح رداء من بتلات الياسمين فهو رقيق للغاية، وللملل ثوبًا لا يحكه، وللكسل منامة قطنية ليتمتع بنومه.
لو كنت مخترعًا، لاخترعت جهازٌ لقياس درجة الخذلان، أو شاحنًا لتعزيز الثقة بالنفس، أو تعويذة سحرية للنجاح دون تعب، أو مضادا للحزن.
لو كنت أديبا لكتبت نصًا أعظم من هذا.