قصة الحمامة .... عندما تكون الخسارة مكسبٵ
لا أدري ان كانت هذه القصة من تدابير القدر أم هي مجرد صدفة وهل كانت تجربة أم درسا ووقته كان الأنسب. كل ما أستطيع قوله عنها أني ما بت الا وتعلمت درسا واكتشفت نفسي وانتبهت علي قدراتها. خسرت حقا وقتا ومجهودا وما هو أغلي ولكني أدركت أن الخسارة التي نتعلم منها هي حقا مكسبا. ففي وقت ما ربما يكون أسوأ ما عايشت علي الاطلاق, ازدادت ضغوطات الحياة واسودت أوجهها, وبالفعل ضاقت حتي استحكمت حلقاتها.
ذات مرة, قرأت أن القمر يزداد جمالا كلما ازدادت حوله الظلمات وأعطيت نفسي فرصة لتأمل المقولة ورأيت كم هي حقا جميلة. غيرت نظرتي للحياة واستوعبت أخيرا أن كل جماليات الحياة لا تساوي شيئا, مالم تكن نظرتنا للحياة جميلة. أدركت بأن لدي الكثير ولكني كنت أطرق الباب الوحيد المغلق, بالرغم من كثرة الأبواب الأخري المفتوحة. كنت يوميا حين أصلي أبكي وأدعو الله أمرا تعلقت به الروح, الا أني ذات يوم وتحديدا بعد قصتي مع الحمامة شعرت بخجل من رب العالمين. سألت نفسي: كيف لي أن أدعوه وألح في شيء وأنسي أشياءا. حينها أدركت للحظة أن ما أريده قد يأتي ولا يدوم وأن ما أملكه قد يرحل ولا يعود. ولذلك ان مررت يوما بتجربة مزعجة ... كانت حزينة ربما أو مؤلمة ووصل الحد أن صفعتك الحياة قلما موجعا أو لقنك أحدهم درسا لا ينسي, تذكر أن حتي الحياة لا تهب دروسا بلا ثمن. كن فقط علي يقين أن الحياة ستمضي مهما كان ألمك قويا ومهما طال الوقت حتما سيسكن الألم. فقد علمتني الحمامة درسا لم أنساه .......
لقد وقعت في شرفة منزلي حمامة. لم أدر بها ولم أسمع لها صوتا. لم ألحظها ولم أر ان بالشرفة طائر. لا أعلم هل كانت تبحث عن طعام أم كانت علي سور الشرفة ووقعت؟ سمعت فجأة صوتا يشبه النقر علي الزجاج. لا أعلم مصدره ولكني لا أستطيع تجاهله. تتبعته حتي اكتشفت أنه قادما من شرفة غرفة نومي. واذا بها قريبة جدا من الزجاج تتخبط وتخبط بمنقارها وبجناجها فيه. تصدرهديلا وكأنها تأن أو تنادي. اقتربت من الزجاج ولم أتأهب لأفتحه حتي لا تنزعج فتخاف وتطير. تريثت قليلا لعلي أكسب وقتا واستكشف إن كان بها مكروه او أنها جائعة أو تبحث عن مأوي بعيدا عن البرد. وانتهزت الفرصة بأن ابتعدت قليلا عن الباب فتحته وحاولت لمسها لكنها كانت تبتعد. كانت تبدو في حالة جيدة وليست مصابة ولكنها تتحرك في جميع الاتجاهات وبسرعة. انتظرت أن تهدأ لأمسك بها وأتفحصها عن قريب لربما كانت جريحة. ولكنها لم تعطني الفرصة. كنت أريد أن أغلق الباب وأعود لقراءتي ولكني كنت أشعر بتأنيب الضمير. وكيف لي أن أتركها في هذا البرد؟ حاولت ادخالها الغرفة ولكن كلما اقتربت بعدت حاولت مرارا وتكرارا كل مرة تبتعد. اكتفيت بأن وضعت لها طعاما وبعض الماء. أغلقت الباب ودخلت غرفتي لاستكمل يومي ولكني لم أتوقف عن التفكير بها. وهي ما عليها إلا أن تعاود النقر في باب الشرفة. أعود اليها وأقف متأملة ماتفعل من خلف الزجاج فلا تحرك ساكنا وان فتحت الباب واقتربت منها ابتعدت عني. وهكذا قضينا مايقرب من نصف النهار في محاولات غير مجدية. حقا أنا صبورة جدا, وأعطي الكثير من الفرص الثانية, لكنني لست ملاكا, فلدي حدودي.
تأملت الموقف مرة أخري وبهدوء ووجدت أن التحلي بالصبر قد يكون أنسب الحلول فالأشياء الجيدة تأتي لأولئك الذين يصبرون ويثابرون. ومن هذا المنطلق, استوعبت أنها قد تكون خائفة وأنها لم تألفني بعد. قررت أن أصنع لها بيتا واجتهدت في تصميمه كي يكون دافئا وملائما لها فتسكن اليه. وبالفعل قد كان ولكنها رفضت البيت.
قررت أن أتركها لأني لا أريد خسارة المزيد من الوقت والمجهود بلا فائدة ودون أي جدوي. كانت ابنتي الكبرى بجانبي تراقب ما أفعله وبينما أنا منهمكة في اعداد البيت همت بابداء رأيها وبكل براءة قالت لي أن كل ما أفعله سيصبح دون جدوي. فكرت للحظة أن تكون علي صواب ولكني أعلم جيدا بأنه سيموت نصف ابداع الانسان ان فكر في رأس الاخرين. تذكرت أن لكل شخص زاوية لا ينظر للأشياء منها سواه! وعاودت صنع بيت للحمامة, قررت أن لا أجعل لكلام الغير فرصة قد تؤثر علي ما أقوم به ما دمت واثقة مما أفعل لا ومؤمنة به, اذن فأنا أري شيئا وهم يرون شيئا اخرا ولكل منا زاوية رؤية خاصة به.
وبالفعل لم أتحمل نقرها في الزجاج. وكأنها تناديني وكنت مندهشة كيف لاتقبلين بالبيت الذي جلست بجانبك في هذا البرد كي أصنعه لك وكيف لا تكفين عن طرق الزجاج؟ لماذا لا تطير لتذهب الي بيت اخر ربما هو لها أفضل وأنسب؟ بعد عدة دقائق من التفكير قررت أن أحاول معها مرة أخري ولكن أولا أردت أن تطمئن الي. أحضرت لها طعاما غير الذي رفضته وقليلا من الماء وفتحت لها درجا في دولاب كتب صغير في الشرفة وفرشته لها كي يكون دافئا. صعدت إليه بعد أن استجمعت شجاعتي و أمسكت بها. بدات تأكل وتشرب وتهدا. وكنت في غاية السعادة.
بعد حين قررت أن أنقلها للبيت اللذي صممته لها. وانتقلت الي داخل البيت وهدأت وعاودت تناول بعض لقيمات الخبز. كانت تخرج من البيت وتتجول علي سور الشرفة ثم تعاود بيتها. قضيت معها وقتا طويلا ولكن بعد ذلك قامت بنبش البيت وبعثرة قطع الخبز. استغربت لها جدا حين رأيتها تهجر البيت اللذي سكنت إليه فترة طويلة. سأمت فعلا منها وسأمت بعثرة الطعام وتلويث الشرفة. مشكلتي معها أنها لا تريد البقاء في البيت ولا تريد مغادرته. تسكن إليه وتبعثره أنتظر أن ترحل و تطير الي مكان آخر ولكنها لا ترحل. ما المني فعلا منها هو تخريب البيت ونقره وتلويث الشرفة وبعثرة الطعام. ان كانت تريد الطيران بعيدا لماذا لا تطير? وان كانت تريد البقاء فلماذا تخرب البيت? أحزنتني .............
قررت أن أعطيها فرصة لربما قررت البقاء أو غادرت والي الأبد. أن أعطيها فرصة الرحيل كان قرارا مني بعد نفاذ صبري لربما كانت تتمناها ولكنها لا تدري كيف لها أن ترحل وهنا الأمان والمأوي والطعام. حملتها برفق واقتربت من السور وتركت جناحيها. أغمضت عيني لربما أفتحهما لأري أنها لاتزل بيدي. ولكني ......... لم أرها.
كذلك هم بعض البشر. بالظبط هم كذلك وإن لم يكونوا أسوأ . يبصرون ولكن هم حقا عميان. لديهم الكثير ولا يرونه ويرون ما عند الاخرين. يتمتعون بحياة حقا كريمة ولكنهم يتمردون. أعطاهم الله من نعمه ولكنهم لها ناكرون.......
يدخلون حياتنا لٳفسادها فهم أعجز وأضعف من أن يقوموا بدورعامل النجاح في حياة أي انسان. لا ترسموا لهم أدوارا ليست ٳلا مجرد أوهام من صنع خيالكم. فعندما ترسم وردة علي الورق لا تكتمل روعتها بدون عطرها, كذلك هم بعض البشر, عندما ترسم لهم صورا في مخيلتك, فهي لا تكتمل ٳلا بصدق مشاعرهم وحسن أفعالهم.
لا تتمسكوا بمن يجد لذة في فراقكم, أعطوهم فرصة الرحيل فإن رحلوا تعلمتوا درسا وان بقوا كانوا سندا.ومؤكد انتم لم تهزموا فبين ألم الرحيل ولذة البقاء أنتم اقوي منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهم علي الأقل انتم قررتم لهم.
-
أميرة أحمدطالبة دكتوراة في تخصص اللغة الفرنسية وآدابها
التعليقات
كذلك هو رأيك المذكور في المقال ورأي آلاء! القصة واحدة والنظرة مختلفة، ولكن بالرغم من الاختلاف إلا أن كلا النظرتين مفيدة ذكية، وذات بعدٍ عميق.
كذلك مرة كانت صديقتي تخبرني أنها تتمثّل المقولة: "اختر معاركك" ولاحظت أنها -برأيي- تتمثّلها بشكل مبالغ فيه خارج عن المقصود، مؤدي للنزاع الكبير الذي هو بالأصل المقصود مجاوزته.
ففكر الناس مختلف، ومن منطلق المقال والمثال جاء ببالي فائدتان بارزتان:
1-الناس تختلف في استخلاص الفوائد، فإذا أردت فائدة ما بعينها لا تنسَ ذكرها.
2-فهم المقصود من الكلام والاعتدال فيه مطلب عظيم، مجانبته قد تؤدي إلى حصول نقيض الهدف!
عذرًا على الإطالة، وبالتوفيق عزيزتي.
ليتك أعطيت وقتاً أكبر للتصحيح و التنقيح قبل النشر