بعد ليلة طويلة، استيقظت متورمة العينين، كأن الأحزان قد اجتمعت بين جفنيها، هي بحال أفضل حيث أدركت أن الحزن لا يمكث في القلب طوال الوقت، فحين يألف الحزنُ القلب ويعتاده، يبدأ في الاستكشاف والتنقل في أنحاء الجسد.
رائحة خبز تتسلل إلى أنفها فتثير الذاكرة، لكنها تقرر العودة سريعًا إلى الحاضر؛ الذاكرة ماكرة، ما إن ندلف إليها حتى تستدرجنا إلى متاهاتها.
صنعت أربع فراشات من الكروشيه، لم تعد وحيدة الآن.. إحداهن قالت إنه يمكنها تكوين عصابة من فراشاتها تحقق لها ما تريد. تخيلت فورًا الفراشات تحوم حولها، تسمع حديثها وتفهمه ثم تنطلق للتنفيذ، فراشات بأعين صغيرة شريرة بعض الشيء، ربما وجب عليها إضافة عيون.
لكن مهلاً! إن كانت هاته الفراشات ستسمعها وتفهم حديثها فما حاجتها للعيون الصارمة، وما حاجتها لتشكيل عصابة..
يقال إن المرء إن قنع بالقليل لا يحصل على شيء، حتى إذا طمع في الكثير حصل على القليل، ويبدو أن فراشات صغيرتنا لن تسمعها حتى ولن تحلق حولها.
تمر دقائق لتدرك الصغيرة أنها وحيدة حقًا وأن هذه الفراشات محض جمادات، ثم تدرك أن هذا الخيال حتى ليس خيالها.
ما إن يوجه إليك أحدهم سؤالاً أو يخبرك بخبر حتى يستحوذ على أفكارك، تفكر وفق معطياته متأملاً توقعاته ثم تجيب بما لا يمثلك.. آهٍ كم يسلبنا الناس ألبابنا! وهكذا يُسلب خيالنا أيضًا، لكن ما إن يسرق أحدهم خيالك حتى يصبح ضعيفًا محدود التأثير.
هبطت الفراشات فجأة وتسمرت، ساد الصمت، لتقرر الصغيرة الحديث إلى عقلها.
أتعرفون ما أعتقد؟
إن أدمغتنا تغار، ما إن تجدنا نحادث غيرها حتى تحاول بكل السبل إفساد الأمر، لذا فقد أفسد دماغُ صاحبتنا أنسها بالفراشات، كما يمكنه إفساد خيالها في كل مرة ما إن يبدأ في السيطرة.
تفتح الأبواب، تخرج إلى حيث السماء، تنظر للأعلى، يتسلل الرجاء إلى قلبها.
عندما كانت طفلة كانت تعتقد أن الله يراها بشكل أفضل حين تكون تحت السماء، وحتى مع تكرار والدتها لكون الله يرانا في كل مكان، لا يمكنها التوقف عن الشعور بأن رجاءها يصل مباشرة عندما تنظر للسماء.
تنظر للسُحُب تتحرك ببطء كأنها تحمل رسائل بين الناظرين إلى السماء، ولم لا؟
-
مريم ناصفألاحق تناقضات النفس الإنسانية