لا أَصلُح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لا أَصلُح

  نشر في 30 يونيو 2016 .

تقول رضوى عاشور في كتابها الأخير الصرخة:"أسوأ ما في المرض أنه يُرْبِكُ ثقتك بنفسك فيتسرب إليك الخوفُ من أنك لا تصلح، ولن تستطيع".حسنًا سأجعل خطابي تلك المرة قصيرًا. أقرأ الجملة وأفكر أن الأمر أصعب من ذلك بكثير فالخوف لا يتسرب إليك بل يسكنك,يسكن كل خلية من خلايا عقلك,تشعر به في أعصابك.أوتعرف ما الأسوأ من الخوف؟,الشك.الشك سيصيبني بالجنون.أتكلم ويستطيع عقلي أن ينتقد كل كلمة قلتها,كل تعبير على وجهي,كل ضحكة أو نظرة أو حتى صمت.ينقر عقلي مصرًا مُنتقدًا:"كيف تقولين كذا؟, تبدين غبية للغاية بالمناسبة. وما تلك الملابس؟,ماهذا الوجه؟ أنا لا أرى إلا كتلة كروية من العجين أمامي,بلا ملامح واضحة,بل بالأحرى ملامح مشوهة.كيف تظنين ستكون فكرة فلان عنكِ؟,أبدوتِ تائهة؟,غبية؟,جبانة؟,جاهلة؟,فاشلة؟ You stink.You suck.You're a loser.

أحيانًا أشعر أن رأسي كجهاز المسجل التالف,يُعيد الشريط مرارًا وتكرارًا. إن بدَت الكلمات السابقة قاسية فتخيل أن تدور كلها في رأسك,الكلمة تتلو الأخرى.أنا لا أتحدث عن أن كل ذلك الشك ينتابني من حين لآخر في فترات اليوم بل في وقت المحادثة وبعدها مباشرة وقبل النوم وبعدها بيوم,وإثنان,وإحدى النوبات,ويوم سيء,واذا صادف وأن رأيت الشخص الذي كنت أحادثه مرة أخرى...الخ,بمعنى أدق,الخوف والشك والتقليل من الذات أصبحوا هم فترات يومي,كل أيامي. عقلي لا يكتفي بهذا أيضًا,أحيانًا أجده يردد أي جملة عشوائية مرارًا كشكل من أشكال الوسواس القهري,فمثلًا,أشعر أنني متعبة قليلًا بأجد عقلي يتسائل:"انتِ كويسة؟,انتِ كويسة؟,انتِ كويسة؟" كلمان ووجوه تتقافر في كل الأنحاء وتتكرر سريعًا وسريعًا فيزيد تعبي أكثر,ولا يسكت عقلي حينها إلا ربما بالكلام عاليًا,أو أن أُشغله بفيلم كطفل أحاول أُشغله بلعبته حتى لا يمليء الدنيا صراخًا ويُزعجني.

في بعض الأوقات لا يتوقف الأمر على التكرار,فعقلي يفعل ذلك الشيء الغريب,بأن يُمسك إحدى الكلمات التي أكاد أقولها,بلغتنا العامية,ويفكر فيها وفي معناها فأجد أنها بلا معنى ويصبح الأمر برمته بلا معنى,فأسكت عن الكلام.لطالما ترددت ولم أتكلم بسبب هذا,بسبب أنني أشعر أنني تائهة بين الكلمات,أشعر أن عقلي يستحضر كلمات لا أعرفها,أشعر أنني طفلة لم أتعلم كيفية الكلام بعد.

منذ أيام مررت بشيء غريب,مررت به من قبل,لا أهتم بتفسيره علميًا,في الأغلب ليست بشيء مهم,ولكن ما اهتم به هو كيف يجعلني أشعر.أكون مُتعبة وأحاول النوم,فأرى نفسي في حلمًا,مثلًا أنني كنت أسير بشارع طويل وممتد,أرى الصخور والتعرجات ع الأرض وأصوات تضج في الخلفية,وفجأة أقع في حفرة لم آراها فأنتفض من نومي وقلبي يخفق بشدة.أجول بعيني في المكان وأتسائل بجدية تُخفيني:ما الذي حدث؟, ما الذي آتى بي إلى غرفتي؟,ألم أكن بالشارع؟ يستغرق الأمر بضعة ثوان حتى أستوعب أنه كان حلمًا,حلمًا خفيفًا جدًا وأنني لم أستغرق في النوم ما يزيد عن ربع ساعة.

ماذا تبقى لي بعد ذلك من عقل؟, بعد كل هذا يهلك عقلي,لا يُصبح هناك الكثير لأفعل أي شيء.تُصبح سطور الكتب ضبابية,والأصدقاء في عالم بعيد,يًصبح أقرب ما لي هو إما قهوة أشربها فتُشعرني بشيء من الوعي,أو على الأقل توقف ضبابية الأشياء,أو منوم يجعلني لا أعي شيئًا.أرى الأشياء أمامي ولا أراها,فعليًا كأن عيني تعمى عنها.في كثير من الأحيان أشعر أن عقلي أصبح كتلة بلا فائدة,كتلة كبيرة ومُرهقة ينقطع عنها الوعي طوال اليوم بلا محاولات.

أفكر في كل تلك الأماكن التي أريد أن أكون جزءًا منها ولكني أرى أنني لا أستحقها.لا يرى عقلي أنني أفعل شيء يستحق التقدير.أتسائل عن الأشياء التي أود لو أستطيع أن أكون جزءًا منها,أتسائل عن الإحتمالات,وعن الأشخاص,وعن كيف سأكمل أيامي على هذا النهج.على الناحية المقابلة,الدواء يجعلني أفضل بعض الشيء.

يالله,أكتبت كل هذا!, نسيتُ نفسي بين السطور.على كل,لم أعد أعرف ما الذي سيأخذ عقلي نحو نهايته وأتسائل ان لم يصل عقلي لنهايته بالفعل.الأيام ثقيلة,ومتعبة,وأصدقك القول أنني لم أعد أشعر بالسعادة خلالها مثلما اعتدت.أنا مُتعبة و لم أعد أعرف فعلًا كم من المممكن أن أتحمل المزيد من كل هذا.


  • 20

   نشر في 30 يونيو 2016 .

التعليقات

لميا عباس منذ 8 سنة
جميل ألا نصلح لتصلح الكلمات، ههه أشرت لهذا الشعور الصادق، حين يعترينا التعب فلنسترح قليلا بالبوح و لتكن الكلمات كما قدمت في إغماء و إعياء....أحب هذا الأسلوب المستسلم لكنه فعلا المارد....
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا