الثائر العربي .. والثأر الفرنسي المارق - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الثائر العربي .. والثأر الفرنسي المارق

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 25 أكتوبر 2018 .

الثائر العربي.. والثأر الفرنسي المارق

""""""""""""""""""""""""""""""""""

هيام فؤاد ضمرة

"""""""""""""""""

في وقت تتناول فيه أقلام الكتاب والفضائيات حادثة القتل الوحشي للصحافي السعودي بكثير تعاطف انساني نظراً لهولها، نجد أنفسنا نقف على عتبات تاريخية غارقة في العمق التاريخي لأحداث دموية مغرقة بالوحشية في طريقة انزال العقوبة والقصاص أو بالقتل المحتقن غيظاً وكرهاً بقصد الولوج إلى بشاعة الإنتقام، كأسلوب مارق في القتل الوحشي المسبب لعذاب شديد في موت بطئ بشع للغاية.

وليس هناك من حمأة ثورة تتقد ناراً؛ بقدر ما هو متوفر في دم الشباب بالقوة الكافية لتجعلهم وقوداً للثورة ضد مستعمر أجنبي غاشم، يقتحم بلاد العرب ويدنس ترابه، ويتعدى على حقوقه وكرامته ومقدرات وطنه، فتجدهم مندفعين بقوة دون تردد لارتكاب عمل بطولي فريد.

وجد أهل مصر أنفسهم يقعون فريسة الاحتلال الفرنسي عام 1798م كون مصر تشكل مطمعاً حيوياً للمصالح الاقتصادية الغربية، وكان العثمانيون في تلك المرحلة منشغلون بالصراعات الدائرة في مناطق البلقان وروسيا والنمسا وبحر أزوف والبحر الأسود، وأرادت فرنسا من احتلال مصر بقطع الطريق أمام الانجليز من تحقيق مطامعهم في مصر مستغلين الخلاف المتنامي بين السلطة في مصر والسلطنة العثمانية في اسطنبول،

بعد انتصار الفرنسيين على العثمانيين في معركة الأهرامات في الحادي والعشرين من يوليو والقضاء على المماليك حكام مصر آنذاك، مما حدا بالشعب المصري أن ينتفض ثائراً على المحتل البغيض، بقيادة الشيخ أحمد الشرقاوي أحد مشايخ الأزهر الشريف الذي تنادى للجهاد الأعظم ولبى نداءه الشباب الأحرار.

فتصدى لهم الجيش الفرنسي وسحق ثورتهم بقوة طاغية وعنف كبير مخلفين الكثير من القتلى، وتم القبض على قيادات الثورة وحكم على ستة من شيوخ الأزهر الثوار بقطع الرأس قصاصا ورفعها على الرماح على مرأى من أعين المصريين ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه الثورة بعد ذلك، بما فيهم الشيخ أحمد الشرقاوي نفسه، وتم نصب المشانق لأعداد غفيرة من الثائرين، وكان مشهداً بالغ الألم تشهدة دار السلام، مما دفع بأحد طلابة إلى اتخاذ قرار الانتقام لشيوخه، هو الشاب الحلبي الأصل القادم من مدينة حلب في أقصى شمال بلاد الشام لينهل العلوم الدينية في الأزهر الشريف وأربع طلاب علوم دينية فلسطينيين من الجنوب الغربي لبلاد الشام، والشاب الحلبي هو الطالب سليمان الحلبي البالغ من العمر 24 عاماً ابن تاجر زيت زيتون من مدينة حلب، فانضم إلى إحدى الخلايا السرية الثائرة المجاهدة لهدف التحرير.

في تلك الفترة في 22 أغسطس من عام 1799م؛ غادر نابليون مصر مخلفاً وراءه قائده جان بابتيست كليبر ليدير شؤون بلاد النيل، وحدث أن قامت ثورة القاهرة الثانية رداً على مبالغة الفرنسيين في إهانة المصريين وظلمهم، وتحركت الثورة هذه المرة من بولاق، فتصدى لهم كليبر بمدافعه القاتلة وسحقهم بعنف وقتل منهم جموعا غفيرة حتى أنّ الطرقات اكتظت بجثث المصريين في منظر رهيب يفوق الوصف، وتعرض المصريون لانتقام فظيع من الفرنسيين بالتضييق والتجويع والتنكيل والإعدامات في الساحات العامة والقتل لأتفه سبب،

في مثل هذه الأجواء من الطبيعي أن تتنامى فكرة الانتقام في عقول الشباب الواعية التي تحمل روحاً ثائرة ونفساً أبية، وليس أحرى بهذا من طلاب بلاد الشام الخمسة وعلى رأسهم سليمان الحلبي البطل والفدائي المجاهد المغوار الذي أضاء بسيرة جهاده صفحات التاريخ العربي، واحتمل ما لا يحتمله بشر على وجه الخليقة من انتقام الفرنسيين اللا انساني الأبشع على الاطلاق، وكانت حادثة عقابة الأفظع أول حادثة في التاريخ الفرنسي.. هو هكذا الاستعمار الغربي لبلاد العرب قميء حدا بليغاً ولا إنساني، في أذياله الظلم والبغض والعنف والتسلط الرهيب.

كان القائد الفرنسي كليبر يتمشى في حديقة بيته بالأزبكية في القاهرة مع كبير المهندسين الفرنسيين حين اقترب منه شاب عربي ماداً يده اليسار للسلام عليه فمد إليه هو اللآخر يده فأمسك سليمان بها وشل حركته، وطعنه باليد اليمنى بمدية حضرها لهذه الغاية، وكرر الطعنات أربع مرات في مقتل، وكان عمر كليبر آنذاك 47 عاماً، وحين حاول المهندس بروتان الإمساك بسليمان عاجله سليمان البطل بست طعنات لم تكن بالقدر القاتل الفوري، وتمكن سليمان من الهروب تاركاً خلفه عمامته متسوراً سور الحديقة والجنود يهرولون في أعقابه يفتشون المنطقة ويمشطونها تمشيطا دقيقا، إلى أن عثروا عليه متدارياً خلف جدار قديم متآكل، فأخذوه وعرضوه مع مجموعة من الرجال على المهندس الجريح الذي عرفه وأشار إليه، وتم أسره وتعذيبه بوحشية حتى حصلوا منه على الاعتراف عن نفسه وعن رفاقه الفلسطينيين الأربعة المقيمين معه في رواق الشوام، هم من مدينة غزة وهم: محمد الغزي، وعبدالله الغزي، وسعيد عبدالقادر الغزي، وأحمد الوالي بتهمة معرفتهم بنية سليمان ولم يبلغوا عنه، فحكم على الأربعة بقطع رؤوسهم على مرأى من سليمان وحرق جثثهم حتى التفحم في حكم بالغ القسوة لا يتناسب والجريمة المتهمين بها، وحكم على سليمان بحرق يده اليمنى حياً فوق لهب النار، ومن ثم وضعه على الخازوق الرهيب بأن يُغرز في جسده قضيب طويل مدبب يدق في مؤخرته منزلقاً عبر أعضاء جسده وأمعائه دون أن يصيب القلب لإطالة فترة عذابه، ويخرج من كتفه اليمين، ليترك أيام مع الألم الفظيع نازفا الدماء حتى الموت موتاً بطيئاً، وترك جثته فوق تل العقارب لتفترسه الجوارح في أقسى حكم لا إنساني ممكن أن يتلقاة مجاهد يكافح من أجل وطنه ويواجه عدو أمته.. فما أفظعها من ميتة وما أقساه من عدو حاقد لئيم لا يحمل قلب إنسان ولا مشاعر بشر، حتى أنهم استخدموا تمثيلية العدالة بشكل المحاكمة بوضع محامي دفاع وسؤال المذنب السؤال التقليدي بأن يقر أنه مذنب، فأي تمثيل هذا الذي يتقنوه وهم يدعون العدالة؟

وفي متحف عسكري في باريس عرضت جمجمتان واحدة لسليمان الحلبي كتب عليه عبارة المجرم سليمان الحلبي، والثانية لكليبر كتب عليها البطل الفرنسي كليبر، والحقيقة أن سليمان هو البطل الحقيقي الذي قدم روحه وهو الحلبي الشامي فداءاً عن مصر وأهلها العرب وشيوخه الشرفاء.. هو والشباب الفلسطينيين الأربعة فبأي حق ينسى ذلك العرب؟

واستخدم نابليون حين دخوله مصر أكذوبة أنه جاء بلاد المسلمين نصيراَ للإسلام وأنه هدم الكنائس في أوروبا وخلع بابا روما قبل مجيئه إلى مصر لأنهم كذبة ومارقين، فعل ذلك ليأمن نفسه من الثورة عليه ولم يكن الشعب المصري ليصدق أكاذيبه المفضوحة وقد وجه تسلطه على مشايخ الأزهر.

توجه نابليون بجيشه باتجاه فلسطين فاحتل غزة والعريش ويافا وحيفا لتقف أمام طريقة أسوار مدينة عكا المنيعة ويفشل باحتلالها وبحصارها إلى أن ألقى بواسطة مدفعه قبعته داخلها معلنا عبارته الشهيرة، فيما الجنرال مينو الذي أشرف على عمليات الإعدام الوحشية وكان ادعى الاسلام وسمى نفسه عبدالله مينو وتزوج من مصرية مطلقة، لحق بنابليون حين أرغمه التحالف البريطاني العثماني بالجلاء عن مصر بعد معركة أبي قير البحرية التي حسمت لصالح التحالف البريطاني واعتبرت نتائجها ثورة في التكتيك البحري، وعاد مينو إلى فرنسا حاملاً معه رفات قائده الكريهة، لتتوالى الأحداث بعد ذلك فيتحول نابليون بطل فرنسا إلى امبراطورها العظيم، ثم إلى أسير في جزريرة سانت هيلانة ليقضي نحبه مسموما بمادة الزرنيخ.

وهذه طريقة فرنسية للانتقام الوحشي ليس ينفيها التاريخ، ولا هم تبرأوا منها، ستظل توصمهم بالغل المفضي إلى العنف الوحشي اللا إنساني، وستظل قصة البطل المغوار سليمان الحلبي وصمة عار في تاريخ فرنسا، لا تداريها افتعال حضارة زائفة وفي داخلهم مثل هذا الحقد اللعين، طالما أنهم ما زالوا يعرضون جمجمتين بأوصاف مغايرة للحقيقة، فلتخسأ حضارة الأكذوبة ولتخسأ طبائع عنفهم وظلمهم وجبروتهم.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 25 أكتوبر 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا