هل يُعقل أن تمنحني "قطة" الفكرة الضائعة عن خاطري؟! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل يُعقل أن تمنحني "قطة" الفكرة الضائعة عن خاطري؟!

  نشر في 24 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .


دعونا نُسلط الضوء على يوم من أيام صراعي مع الكلمات.. بسيط لكن مميز..

اعتدت كل صباح أن أنسج بعض الجمل الأدبية التي تومض في رأسي وأتطرق إلى فهمها بالكتابة، مرة أنجح في التعبير عن عذاب ما، موعظة، غموض، ومرات أفشل ويضيع وقتي هباءً.. هكذا تكون المعاناة مع الإبداع!

تتبدل الأفكار، والمكان ثابت..

غرفة الكتابة، التي هي في الأصل غرفة النوم والقراءة والصمت والاختباء من ضيوف غير مُرحب بهم، وعلى رأسهم فقراء النفوس الذين لا تنطق ألسنتهم إلا بتفاهات الحديث..

في الواقع أنا لا تشغلني السطحية وبهرجة المظاهر، أدواتي متواضعة للغاية تتمثل في جدران تفصلني عن ضوضاء المجرة، باب مغلق بالمفتاح لاحترام تمردي وهذياني في بعض الأحيان، جهاز "لاب توب" يعمل بكفاءة لساعات ممتدة وفي الخلفية موسيقى خافتة والسلام، إنه السيناريو المعتاد الذي أشعر بالارتياح معه منذ أن أمسكت بالقلم، وذلك الصباح انقلب الروتين بالكامل وبدون أي ترتيب مسبق..

لقد اشتعلت داخلي رغبة قوية في الخروج عن حدود منزلي للمرة الأولى بعد أسابيع طويلة، ربما شهر أو أكثر! نعم كما قرأتم، فأنا كائن "بيتوتي" إلى حد كبير ولا أخجل من طبعي الكئيب في نظركم، ولا بأس من كسر القاعدة من فترة لأخرى لمواكبة التغيرات التي تطرأ على البشرية من حولي، إنه أمر محتوم طالما أنا هُنا.. وما باليد حيلة!

كان لا بد أن أنتقي الوجهة الأمثل لي بعناية حتى لا أندم على قرار الانسلاخ من غرفتي ولو لنصف يوم فقط، فلم أتردد أن تكون الطبيعة ملجأي الوحيد في ذلك المأزق وتلك الساعة العصيبة!

إنها واحدة من أسعد لحظاتي حين أبتعد عن القيل والقال وإزعاج المدينة وأهرب إلى لوحات الكون التي تمدني بأصدق المعاني، فلا مناوشات أو ثرثرة فارغة تقطعني عن حواري مع العقل وبعد أن أتمكن بصعوبة في تحقيق أحد أهم أهدافي في الحياة.. وهو تحرير سطر مفيد..

وبالفعل، تأنقت لموعد غرامي مرتقب مع حروفي، وعبرت الطريق من مملكتي الآمنة إلى أجمل بقاع الأرض..

أنغام البلابل، نسمات صافية، نور الشمس وكل الهدوء الذي أرجوه لضلوعي الثائرة.. فماذا ينقصني إذن؟!

وبعد تنشيط عضلاتي بالمشي والاستمتاع بالهواء البارد، بحثت عن مكان مناسب لاحتواء صخب روحي وإرادتي الناعسة، محاولات تعقبها محاولات، ومن ثم قادتني خطواتي إلى استراحة خضراء اللون لأكون أنا والطبيعة في تلاحم ساحر، كأننا جسد واحد، فلا أشعر بالاغتراب..

بدأت في ترتيب أوراقي وتهيئة وجداني لأغرق في بحور التفاصيل كعادتي، فبادرتني أول حيرة لي: من أين يُمكنني البدء وحواسي تحترق؟!

١٠ دقائق، نصف ساعة، ساعة كاملة مرت وأنا في انتظار إجابة منطقية فحسب! ولحسن الحظ أنني لمست طرف الخيط أخيرًا قبل أن يجن جنوني وأذم موهبتي وأذهب بلا رجعة!

التهمت القلم لطبخ وجبة دسمة من الوعي، وفي الحال شعرت بطاقة لطيفة تحوم خلفي..

هي، روح بريئة تلهو بين العشب، كان يخنقها الضجر مثلما فعل بي، وعلى ما أعتقد أنه الدافع الأول وراء انجذابي لها..

بمجرد أن رأتني متقوقعة على نفسي تعبث بي الفلسفة، اعتزلت الجميع ودارت حولي برشاقة وإغراء.. إنها تعرف كيف تأسرني..

"أهلًا يا حلوة"

قُلت لها بابتسامة ترحيب خفيفة، وبعدها عزمت على تجنب الالتفات إلى حركاتها الطفولية خشية أن يضيع الوقت في ملهيات أعشقها مع كائنات لهم في قلبي مقام الأمراء، وأثناء ما كنت أتحول بين هضم الفكرة وتوثيق الألم، حدث ما لم أكن أتوقعه!

هي لا تعرفني ولا تثق بي لدرجة أن تقفز هكذا وتتخذ أغراضي ملاذًا لها!

وهذه المرة تساءلت في ذهول: لمَ أنا على وجه التحديد؟! ما السبب الذي أرغمها على المجيء إلى زائر لا طائل مادي من مجالسته؟!

لم يكن معي أي ملذات تشدها نحوي أنا بالذات وهي لم تطلب مني أي مقابل! الأمر الذي أثار دهشتي وقتها!

قطرات من الحليب، بقايا عظام دجاجة مشوية أو حتى علبة تونة منتهية الصلاحية، لا شيء! لم تطلب سوى الدلع والعطف، ربما تحتاج إلى الونس وإلى رفيق مختلف الهيئة بلا ذيل ومخالب حادة، ربما تفتقر إلى لمسة حانية أو إحساس الرحمة، وليتها تعلم أنني أحتاج منها ما تحتاجه هي مني!

أدركت حينها فكرة اليوم برمته دون مشقة فلترة الحقائق والمفردات.. إن الأرواح تجتمع لحكمة يعلمها الخالق، والحياة مجرد وسيلة لذلك..

لعل الفضول يتلاعب بك الآن.. كيف كان رد الفعل؟

ضربتها؟ أطلقت صرخات هيستيرية أربكت الزهور والفراشات؟ انسحبت من المكان بمنتهى الضعف والاستسلام؟

الحقيقة أنني لم أمارس معها فعل التهديد لتضطرب من الفزع وتتركني وشأني، رغم انشغالي فيما يُحاصر عقلي من كل اتجاه، وإن كنت في أمس الحاجة إلى تركيز تام لإنهاء ما بدأته وسط أهوال الفكر، ولو، فأنا لن أتسلح بالقسوة في معركة الوجود ضد مخلوقات بهذا النقاء الذي لم أجده في كثير من البشر!

تأمل المشهد من جديد..

هي لم تتودد من أجل مصلحة دنيوية أو انتزاع سلطة زائلة، العلاقة خالية تمامًا من النفاق، فإن لون البشرة والمعتقد الديني والنوايا آخر ما يحكم الارتباط الفطري بيننا وبينهم..

لنكن أكثر عدلًا ونضع الأمور في نصابها الصحيح..

إنها أرواح طيبة تُشاركنا الكوكب بأقل القليل، لا تصطدم معنا في نقاش وتفرض رأيها بغطرسة أو تُزاحمنا بسياراتها الــ "رولز رويس" الباهظة أو تتفاخر بمؤهلها العلمي، صدقًا لم تسألني عن شجرة عائلتي وجذورها الرفيعة قبل أن تحجز لها مقعدًا بجانبي، فهي لا تعرف عُقدة الحسب والنسب وملايين البنوك.. نحن نعرف!

يا رجل، بعمرك أُعجبت بزرافة حسناء تتمايل بفستان سوارية أو تسامرت مع سفينة الصحراء الحاصل على دكتوراة في القانون؟!

أبدًا..

هي لا تهتم بكل المثالية التي تبتلعنا، إنها تشعر فقط، وكم هو رائع أن تؤكد لنا الحياة بطريقة ما أن "الحيوان" فيه من الخير ما لا تملكه أنت أيها الإنسان!

فكرت أن أتنازل عن عمق الموقف وأعود لعملي قبل أن تتسرب اللهفة ويفتر الشغف، ولكنها أبت انصرافي عنها وباغتتني بصوتها الناعم: "نو نو"

المضحك أنها تُحاورني ولا أفقه مرادها، وتستمر حتى وأنا جاهلة لمضمون خطابها، لغتها غير مفهومة لي بحكم آدميتي، ومع الأسف أنا لم أُخلق بموهبة خارقة تُترجم صهيل الخيل وزئير الأسد.. فماذا تقصد بـ "نو نو"؟

جائعة؟ سعيدة؟ غاضبة؟ تنشد السلام؟ تائهة في عالم لا يليق بها؟

أحسست بأنها تقول لي: كفاكِ تفلسف يا امرأة، إن الأفكار لن تجف، فأنتم أصحاب الفصاحة إلى أبد الدهر، ومن نحن بالمقارنة بكم يا أبطال التاريخ والحضارة! لنصنع الآن بعض الأوقات الممتعة معًا قبل أن ترحلي وتتركيني وحدي مرة أخرى..

فنزعت كبريائي على الفور والتقطنا صورة للذكرى الملهمة..

أي فصاحة تلك التي تقصدينها! إنها أمام بلاغتك لا تُذكر..

عزيزتي.. شكرًا لروحك ومحبتك غير المشروطة..

والشكر كله لأثرك دون النطق بكلمة واحدة من قاموسنا الإنساني، فقد استطعت الكتابة بفضل قلبك، بعدما ظننت أن عقلي أصابه الشلل المؤقت من فرط أوجاعي!

الحمد لله، لم أندم على قراري يا صغيرتي.. لمثلك أواجه الأرض بمن عليها.


  • 2

   نشر في 24 نونبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 08 مارس 2024 .

التعليقات

جميل جددا
مقال إبداعي مشترك مع الطف الكائنات.
انا ايضا أحببت الكلمات والافكار والقطة ايضا .
0
نورا محمد
شكرًا من الأعماق.. أسعدتني حروفك العطرة.. دام حضورك الأنيق.. وكل التقدير والاحترام :)

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا