يومياتنا أحداث متسلسلة، رتيبة أحيانا كالمياه الراكدة ، و أحيانا صاخبة كأمواج البحر الهائج . غير أن هناك اشياء تلازمنا كل يوم ، تشكل دون وعينا جزءا من حياتنا اليومية ، هي أشياء ملموسة و اخرى ليست بذلك، من بينها "توخي الحذر" !
الحذر ، ذلك الناقوس الذي لا يكف رنينه على امتداد اليوم، فقد أصبحنا نستيقظ على صوت عشرات المنبهات حذرا من الغط في سبات يغيبنا عن عمل أو دراسة ... و لا ننام الا و قد تفقدنا مرات عدة قفل الباب ، انابيب الغاز ... و منبهات الغد طبعا ،لتكتمل الدورة .
لا شك أن الحذر- كما يقال- واجب، فبفضله قد نتجنب أضرار كثيرة ، لكنه حين يطغى و يصبح أسلوب حياة ، قد يتحول الى سالب حياة !
عن هذا الأخير أحكي ،
عن تلك المجهودات التي تبدلها حذرا من الفشل أكثر منه رغبة في النجاح !
عن تلك الدقائق التي اعتدت اضافتها على ساعتك اليدوية ! حذرا من التأخر و ليس رغبة في الوصول باكرا !
عن ذلك النعل البالي الذي تقصد به المسجد ، لأنك كلما تأنقت و تأهبت للذهاب الى المسجد، يأتيك صوت من قريب: احذر قد لا تجد حذاءك عند الخروج . و لأنك عكس القائل أنه يفضل المشي في الشارع و هو يفكر في الله على الجلوس في المسجد و هو يفكر في حذائه ، ستضطر لارتداء نعلك المهترئ حتى تكون انت و تفكيرك داخل المسجد !
عن تلك اللحظة التي تقصدك فيها امرأة تجر طفلة رثة الأسمال ، تهم بإخراج بضع دراهم من جيبك ، فجأة تتذكر مقاطع من رواية "أرض النفاق" ، تتذكر ذلك الوثائقي المثيرعن عالم المتسولين ، لا يزال صدى صوت المذيع يتردد بأذنيك : "احذر انها تجارة ! "، تتمهل ، تعود بنظرك الى الامرأة ، تتفحص ملامح الصبية ، ثم تتمتم و كأنما تحاول اقناع نفسك : لاشك أنها محتالة ، الفتاة لا تشبهها البتة !
سينهال عليك صوت الحذرين حولك، تم شيئا فشيئا ستتملكك متلازمة الحذر و سيأتي الصوت من داخلك ليحذرك و من حولك .
سيأتي ذلك اليوم الذي سيستأذنك فيه طفلك للخروج و بدلا من ان يسمع منك "حسنا استمتع بوقتك" ، سيسمع حسنا متبوعة بلائحة تحذيرات ، احذر أن تقع، احذر أن تتسخ ملابسك، احذر الغرباء، احذر ... و هكذا تكون قد زرعت بنجاح بذرة المتلازمة في برعم لا يعي ما الحذر بعد و لا يسمع سوى صوت قلبه الطفولي المرح .
فبالقلب نندفع ، نعيش اللحظة، تقودنا العاطفة و نسلك بعفوية دروب الانسانية ،بالعقل لا نخطو الا وفق حسابات ، فخريطة العقل شوارعها حذر، و وميض اشارات مرورها برتقالي فقط !