الهلاوس، الجنون، وألاعيب العقل البشري - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الهلاوس، الجنون، وألاعيب العقل البشري

  نشر في 31 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

الهلوسة تختلف عن الوهم؛ الهلوسة إدراك لموجود غير موجود. أما الوهم فتأويل مغلوط لواقع حقيقي.. وقد تكون الهلوسة تلبية لرغبة مكبوتة. ¤ العفيف الأخضر


الهلاوس ليست مرتبطة بالضرورة بالجنون أو الأمراض النفسية كما هو شائع، فالهلوسة قد تحدث نسبيا لأي شخص عادي، مثلا برأي "أوليفر ساكس" :

ـ سماع كأن شخص ما يناديك باسمك، أو رنين هاتف.

ـ رؤية أضواء بلورية مشرقة أو خافتة معلقة في الهواء تتلاشى ببطء.

ـ إحساس وكأن أحدا غيرك ـ موجود في الغرفة ـ لمس وجهك أو يدك أو حتى يتواجد بالقرب منك.

ـ رؤية شخص في الغرفة أو بجانب السرير، خاصة في الظلام أو تحت الضوء الخافت.

بالنسبة لمن يتواجد لمدة طويلة في الظلام كالسجين أو المعتقل أو المعزول اجتماعيا، فإن عقله ـ نتيجة الحرمان الحسي ـ يجعله يرى أشياء غير موجودة بالواقع.. وهذا ما حدث للعديد من السجناء، سواء في "تازمامارت" بالمغرب أو "أوشفيتز" بألمانيا، وهو أن بعض السجناء بدأت تنتابهم هلاوس برؤية أشخاص : سواء من أفراد العائلة أحياء كانوا أو أموات، أو رؤية غرباء، أو حتى شخصيات مألوفة كالمسيح أو الملائكة والشياطين ! وغالبيتهم فقدوا عقولهم نتيجة هذه الهلاوس بل اعتُبرت "أعراض" للإصابة بالجنون.

ـ إن ما يحدث هو أن الرغبة تفرض نفسها على العقل بقوة حتى تتجسد بالواقع، وهو ما يحدث حتى للناس العاديين الذي يفقدون شخصا عزيزا، فيستمرون في رؤيته أحيانا، وهو ما يدعى عند البعض بالأشباح !

إن العقل يخدم رغبات الإنسان، على هذا النحو فإنه يتخيل ما يرغب الشخص في رؤيته، ويصدق ما يرغب الشخص في تصديقه.. أما رؤية الأضواء الخاطفة، فهو إما نتيجة تغير نسبة الضوء بالمكان، أو كنتيجة لمجهود بدني أو تغير فيزيولوجي، كما في حالة انخفاض ضغط الدم.

بالنسبة لمتلازمة " تشارلز بونييه" (Charles Bonnet syndrome (CBS حيث يجد بعض كبار السن أنفسهم يرون أشكال غير موجودة أو وجوه ـ قد تكون مخيفة في بعض الأحيان ـ فإن ما يحدث هو أن العقل يعوض نقص البصر لديهم بإنتاج صور داخلية خيالية ـ إثر نشاط مراكز الرؤية بالمخ ـ بدل استقبالها من الخارج، لسد فراغات الرؤية.. يقول عن ذلك طبيب الأعصاب أوليفر ساكس : "هذا بالنسبة لي هو موقف مألوف. أنا أعمل كثيراً بدور المسنين. وأرى الكثير من المسنين وهم إما ضعاف السمع أو ضعاف البصر. حوالي 10% من ضعاف السمع تصيبهم هلاوس موسيقية. وحوالي 10% من ضعاف البصر تصيبهم هلاوس بصرية. و ليس من الضرورة أن تكون أعمى تماماً، فقط ضعيف البصر بشكل كافي". ويضيف كتصحيح لمفهوم خاص شائع بالمتلازمة هو : "أن المفهوم العام أنه إذا أنت ترى أو تسمع أشياء، إذن فأنت في طريقك إلى الجنون. ولكن الهلاوس العصبية (النفسية) مختلفة. الهلاوس النفسية سواء بصرية او صوتية إنها تخاطبك وتتهمك، تغويك أو تهينك، تتهكم منك، وأنت تتفاعل معها. و خاصية التوجه و مخاطبة النفس تلك لا توجد في هلاوس متلازمة تشارلز بونييه. إنها كفيلم. فأنت ترى فيلماً لا علاقة له بك إطلاقا، أو هذا هو وصف المرضى له".

وذلك لأن الهلاوس السمعية أو البصرية ـ الغير ذات معنى ـ تكون تعويضا وملءً لفراغ حسي فيزيولوجي كإدراك لخلل أو نقص. أما الهلاوس النفسية فهي كذلك تعويض، غير أنها تعتبر هنا ملءً لفراغ نفسي وجداني، يخلق المهلوس عالما أو قصة أو أشخاصا وهميين كتدارك لواقعه الناقص، خاصة إذا كان وحيدا جدا أو معزولا أو مفتقدا للروابط الاجتماعية أو حُرم بدرجة كبيرة من العواطف الوجدانية أو عانى من ضغط هائل بسبب النبذ أو الاضطهاد أو عقدة تأنيب الضمير. إن الضغوط النفسية القوية قد توثر في كيمياء الدماغ، وهو ما ينتج عنه انفصامات وذهانات وثنائيات القطب (ينقلب بسرعة من السعادة الكبيرة إلى الحزن الشديد دون سبب واضح). وهذا كما أسلفت يظهر بقوة في سجناء المعتقلات السرية، وكذلك في جنود الحرب الطويلة والمستنزفة، نظرا للتعرض لموقف ضاغط لمدة الطويلة. فالعقل مهيء أنثروبولوجيا للتعامل مع التهديد القصير الأمد، وليس الطويل الأمد.

قد تظهر الهلاوس، نتيجة جنون العظمة، وهي اعتقاد بعض المعتوهين، أن كائنات خيالية اختارتهم للقيام بمهمة كونية أو إنقاذ البشر. وبالغالب يكون السيناريو من خلق مخيلة المهلوس، والذي يصدق خياله بشدة ـ نظرا لأنه يخدم جنونه بالعظمة ـ فيؤثر بمنطقه التخييلي ودقة أوصافه الهذيانية في المحيط من حوله، أو في جماعة معينة ممن يمتلكون قابلية التصديق "السذاجة". وهو ما يعرف ب"الجنون بالإنابة" أو "الصدمة بالإنابة"، حيث يتقمص الشخص الهلاوس أو الصدمة بشكل ثانوي، عن طريق التعاطف والتعلق الوجداني بالحدث المروي (وليس المعاش).


  • 15

   نشر في 31 مارس 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

فدوى منذ 9 سنة
شكرًا لك اخ حموده
0
Omayma Hossam منذ 9 سنة
لقد اسدفت حقا من هذا المقال الشكر لكم ☺
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











>> كما تم النشر سابقا بحث ثالث بعنوان " المصطلحات الكلامية بين التفتازاني والفلاسفة " ، وتم نشره بالفعل ، العدد 30 - يونيو 2014 م - المجلد العاشر ، مجلة الدراسات العربية ، دورية علمية مُحكَّمة . -- كتب مطبوعة : الاتجاه النقدي الكلامي عند سعد الدين التفتازاني ، طبعة 2017 ، دار دجلة للنشر والتوزيع" data-info-u="a500f9839cc4992cccce499f86928dc9" data-info-img="https://graph.facebook.com/327751340958698/picture?type=large"> محمود محمد ربيع محمد عثمان منذ 8 سنة
حكاية الصدفة المبكية






عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا