ألا تظنون أننا في العصر الحالي قد تفوقنا على كل أجدادنا، وأننا من طراز البشر الخارق الذي حطم الحدود بين المتناقضات، فاختلطت الأمور ، ألا ترون ذلك فعلا ؟
في عصرنا، يحدث أن يجلس شخص في المقهى لارتشاف فنجان قهوة بكل استمتاع بهدوء الصباح ودفئ المكان فيما يتصفح موقعا من مواقع الشبكة العنكبوتية، لا تزعجه رؤية تلك الصورة المليئة بالدماء ، يتوقف قليلا، يرتشف جزءا من قهوته التي لازالت دافئة ، قبل أن يضغط على مقطع فيديو لمشاهدة لحظة مصرع أحدهم على يد جماعة معينة ... بكل التفاصيل! ، ينهي الفيديو ليكتب تعليقا على أغنية جميلة ، ثم يقوم بإعجاب للوحة من روائع بيكاسو؛ كل ذلك ورائحة القهوة الدافئة لازالت تروج في المكان.
إننا بشكل ما ضحية تقدمنا وضحية هذا الاكتساح السريع الذي تقوم به المعلومة جارفة لكل كيان تمر به، معلومة جديدة لامكان للرحمة في طياتها، ولا تعترف بالوقت؛ معلومة غير رزينة وغير صبورة.
إننا ضحية معلومة لا تقبل أن تمهلنا وقتا نتذوق فيه الأحداث الثقيلة التي تروج في هذا العالم المتغير باستمرار... كل حدث على حدة .
نفرح لتأهل منتخباتنا العربية لكأس العالم ، لدقيقة عل الأكثر، لنحزن بعدها لخبر جديد من الأخبار اليومية لوفاة عدد من المدنيين في سوريا أو اليمن...، ولا عزاء كاف لنا فسرعان ما ستهز كياننا معلومة ثقيلة أخرى.
نطير بعيدا أثناء قراءتنا لقصيدة من قصائد الرومي، ثم نسقط على رؤوسنا بسرعة البرق، عند وقوع بصرنا على منشور يحمل كلمات من القعر اللغوي!
هذا الاختلاط الرهيب بين الأضداد؛ الفرح والحزن ، الرقي والتدني القيمي ، الحب والكراهية ، الجمال والبشاعة...، هذا التشتت ثقيل على عاتق الكائن البشري، وأكبر بكثير من مستوى تحمله .
إن أجدادنا محظوظون فقد كان الازدحام في دواخلهم أقل ، وكان تحقيقهم للسلام مع ذواتهم أسهل ، إنهم كانوا يجيدون الحياة بكل تفاصيلها...
التعليقات
و الأسوأ من هذا كله هو التناقضات في العلاقات الإنسانية , فمن ظننت أن الحياة لن تحلو إلا معه فجأة يتغيّر الحال بينكم للنقيض .
بداية موفقة , و في إنتظار مقالاتك القادمة .