القرنفلة التي عانقتها السماء
ها قد غفت عينيكِ يا- قرنفلتي الآن كـ طفلة تتكئ على إحدى جدران القمر
نشر في 25 غشت 2016 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
كل شيء تكحّل بالسواد، كل شيء، كل شيء، أنا أعني ذلك تمامًا...
حتى النباتات التي تطل على السماء من نوافذ المنازل كل صبيحة نهار لتعانق الشمس بحرارة بدت نحيفة يابسة كعشبٍ أصفر تصلّبت عروقه في باطن التربة يئن من عدم ضخ الأرض مزيدًا من عصارة نداوتها في بنية ساقه، متجاهلاً حقيقة أن ما قد حلّ به قد حلّ بالأرض هي الأخرى، فأصبحت جافة جدباء على هيئة قوام عود فتاة صومالية، شاحبة الوجه واللون والرائحة، واقفة تشاهد أقوامًا من بني جلدتها، المصابين بالتخمة عبر شاشة مسطحة صغيرة تكاد أن ترى من خلالها الصورة بصعوبة، تعوي فيها الكلاب الضالة بطلاقة! من خلف كل زاوية من زوايا الشاشة المهشمة داخل عمق ذلك المقهى المهترئ الجدران، والذي يبدو على هيئة خيمة مصنوعة من بقايا أقمشة سوداويّة اللون، قاتمة الروح، أكلها الحقد من أولها إلى آخرها، وأستشرى فيها الغضب كالطاعون. ومع كل مشهد يمر تتلفت الفتاة حولها لتصافح بقايا الطفولة المبتورة بمقلتيها، وهي تعاني شدة المشاعر المتناطحة في داخل الثوب الواحد، فَلم يعُد يُسمع منها سوى تمتمة خافضة جدا تقول: كل تعاليم السماء باتت اليوم عند الكثيرين معدومة ! عالم بائس بائس للغاية، كل نبراته حادة مثل حافة الشفرة، لم يعد يعرف التقدم كسابق عهده بالفنون والأدب من بعد أن تعسكر ببندقية في مقابل حجر! فوا آسفاه على أنتحار الإنسانية ! وبعد أن تغذى العالم الآن على الكراهية وبات في شر ليلة فما لبث إلا قليلاً حتى أصبح ضخم الجثة ، نحيف العقل ، سقيم الروح ، عالم ممسوخ ، ظاهره النور ، وباطنه الفجور ، يتغذّى على الدماء كزومبي أستدعاه الشيطان من سراديب الخيال ليصبح رسولاً مسعورًا لواقع يُعاش منذ قرون يبشّر أتباعه بليلة قاتمة لا يأتي بعدها النهار ، فهنيئًا لكم ما أعدّه جدّكم الأكبر الشيطان من نعيمٍ مقيم في الجحيم أيها الفاعلين ، والتابعين ، والمصفقين أمام الشاشات . أمّا أنتِ يا قرنفلتي التي تحلّق الآن كنجمة متلآلئة بعيدًا بعيدًا عن غبار سحب تلك المدن الدخانية المتهالكة، وحارات الطفولة المنتكسة، وأحياء البشر الغوغائية التعيسة المفلسة الهشّة. فحين تسحرك أشعة الشمس الدافئة في المياه الإستوائية، وترغب في الإبحار قليلا داخلها، وتري جميع أشكال وألوان الكائنات أجدها هنالك تنتظرني بين الشعاب المرجانية مثل عروسة بحرية مخلدة، تطفو كسمكة ملونة في عالمي الوردي. ها قد غفت عينيك يا- قرنفلتي الآن مثل طفلة تتكئ على إحدى جدران القمر، من بعد ليلة ساحرة في عمق البحر، بعيدة كل البعد عن كل هذا الهراء، ترقصين كفراشة متسربلة بألوان قوس قزح. لم تعد روحك تئن الآن من ألم ، ها قد عم أرجاء أعضائك السلام ، وتنفست روحك شيء من الفرح المنتظر.
لـ | قلم فحم
-
قلم فحممن أجل التغلب على وحدتي مدّ روحي بالشجاعة يا إلهي لكي تطير.