خُلِق الإنسان مفطوراً على الرغبة في التعلُّم و الإكتشاف , و هذا مما لا يحتاج دليلاً عليه فيكفي أن تنظر إلى طفلٍ صغيرٍ حتى تلاحظ ذلك , في البداية (مرحلة الطفولة) يتعلّم الزحف و المشي و الكلام دون تساؤلات وجودية و دون هدف فهو يفعل ذلك بالفطرة , لكن ما إن يدخل مرحلة المراهقة إلا و يبدأ في التساؤلات التي لا تنتهي
" لماذا خلقني الله ؟! "
" ما الهدف من هذه الحياة ؟! "
و غير ذلك من التساؤلات .
قديماً قبل إنتشار التكنولوجيا , لم يكن لدى الناس الكثير من الإختيارات فكانوا يسيرون وفقاً للمتعارف عليه في مجتمعهم سواء أرضى ذلك تساؤلاتهم أم لم يرضها , لكن في وقتنا الحالي و قد أصبح العالم قرية صغيرة , تفتّحت المجالات و توسّعت الآفاق و أصبح أمام الإنسان العديد من الإختيارات , إلا أن هذه الإختيارات الكثيرة بدلاً من أن تيسّر على الإنسان عملية تحديد هدفه عقّدت الأمر أكثر , فقد أصبح أمام الفرد المئات من الإختيارات التي أصابته بالإرتباك من كثرتها .
و مع إنتشار التنمية البشرية بدأ الأمر يزداد تعقيداً , فهذا المُحاضِر يعرض عليك قائمة بـ 20 أمراً يجب أن تقوم بها قبل أن تتم الثلاثين من عمرك , و ذاك يضع لك قائمة بـ 30 تمريناً و يطلب منك أن تنفذها قبل أن تتم الخامسة و العشرين حتى تصبح مستعداً للمستقبل , و آخر يخبرك أنك يجب أن تجمع المليون الأول من الدولارات قبل أن تتم الخامسة و الثلاثين و يستفزك فيقول " إذا كنت في العشرين من عمرك و تقول أن ذلك مستحيلاً فماذا ستقول عندما تتم الخمسين " .
توقّفوا
كفى نصائح و أوامر و إستفزازات من فضلكم
لا تضعوا لي المزيد من القوائم كي انفذها
يا هذا من قال لك أني أرغب في جمع مليون دولار , لا أريد سوى ما يكفي إحتياجاتي
و أنت من أخبرك أني غبي حتى تضع لي تمرينات لزيادة مستوى الذكاء
و أنت من أقنعك أن ريادة الأعمال بهذه السهولة التي تتحدث بها
لا أريد قوائمكم هذه , هذه أهدافكم أنتم التي ستسعدكم حينما تحققوها
أريد أهدافي أنا التي اخترتها بإرادتي و ستسعدني عند قيامي بها
في ظل سعي الإنسان المحموم خلف هدفه و في ظل هذا الزَخَم الشديد من القوائم و النصائح , يبدأ في الأخذ بأي من هذه القوائم و ينفّذها , ليس إقتناعاً و لكن لأن المحاضر إستفزه و أقنعه أن هذه الأمور هي ما يبحث عنه , فيدخل المسكين هذا السجن الإختياري و يبدأ في تنفيذ هذه القوائم حتى يمر الوقت و تفتر عزيمته ليجد نفسه يسعى خلف السراب , فهو لا يحتاج لهذه الملايين التي جمعها , و لا يحب تلك الحفلات الصاخبة التي أصبح يرتادها (قفط لأنها موجودة في القائمة).
عزيزي ,
رجاءً لا تدخل هذا السجن الإختياري و تبدأ في تنفيذ أموراً وضعها لك الآخرين الذين يظنون أنفسهم أكثر خبرة منك في تحديد الأهداف , لا يوجد أحد في هذا العالم بإمكانه أن يحدد لك هدفك سواك , الأمر صعب , أعلم لأني أمر بما تمر به و أشعر بما تشعر به .
لن أزعم أني وجدت هدفي في الحياة , لكني قررت أن أنفض عن نفسي غبار هذه القوائم و الأحلام التي يحاول الآخرين إقناعي للقيام بها , و قررت أن أحدد الأشياء التي أحبها و أرغب في العمل فيها , و أن أعرف جميع الأساليب الممكنة للوصول لهذه الأمور , و لأن لا أحد يملك كل شيء , لذلك قررت أن أحدد لنفسي ما أريد أن أجنيه في حياتي و ما أنا مستعد لخسارته في المقابل , و أن أسير بطريقة التجربة و الخطأ حتى أصل لما أريد أنا , لا ما يريدون هم .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
عندما يهتم أي شخص بالمثالية الزائدة الغير واقعية ؟
فأعلم ياصديقي بأن هذا الشخص مخاتل !