المنكمشون في الوديعة
سميرة بيطام
نشر في 02 فبراير 2023 وآخر تعديل بتاريخ 04 فبراير 2023 .
زخم الحياة في هذا العصر هو فوج من فوضى الخلائق فوق الأرض، روح المسك هو غمد الفتور لأذواق المحبين، ينزلق الفؤاد دقا فوق الدفة العتيقة، ويتسلل الحب لواذا من كراهية العذاب، تنطلق الأوراق ساقطة معلنة عن الرحيل والتجديد لغيرها من الأوراق ، تنسكب قطرات الندى بثقلها فوق الأغصان المتحملة صبرا وتشعبا ، الكل في حضارة متناغمة وكياني يلف بعضه بعضا تذوقا لمزيج المفردات التائهة أحيانا ، لكنها الحقائق من تتزاحم لتستبق الرتبة الأولى في الظهور ، لست آخذة على نفسي ذاك التنافس الحاد بين المصطلحات، لأني منهكمة للتو في رصد آهات أنفاسي التي قطعت عني تنهيدة الارتياح، شُعب كثيرة متلونة من ضبابية الوضوح، تفاقم غث لأزيج التناقض من الأغلبية التي حاربت بالأمس حنية صبرنا، وتعالت بصوتها فوق صوت الجراح، كم كنت سخيفة حين ناقشت بالأمس هذا الارتفاع للأصوات لكني اليوم بت أشفق عليها لأنها تعالت من شدة الشعور بالذنب ولم أكن أعي جيدا أن الشدة دفعت بها للارتفاع فوق هاماتنا..أنا ومن حملوا معي وجع القضية..قضية المعذبين في الأرض وان لم نساندهم في معاناتهم لكنهم يترجمون صمتنا الى أناشيد وخواطر..لذلك لم أفعل شيئا لمن حسب أن الأيام لا تحسب لها عدد المعلقين في ساعاتها بلا تقدم..صعبة جدا تلك المعادلة ان رغبت في افتكاك المخرج منها، لكنها اليوم بدت أكثر وضوحا في أن ما حدث كان مجرد لعبة تنافس غير مشروع لاقتصاص ما لم يكن حقا لأحد..حتى أنا لم يكن حقا لي فيه، لأن حقي اختاره الله لي في مكان آخر..عجبا لابن آدم كله عجلة ووجلة وتسرع والخواطر تتكالب لكنها لاتصطاد في حبكة الوديعة الا النصيب..لما كل هذا الضجر والملل والخداع والمكر..ألم يكن يسري في عرقوهم دم ؟لكنهم حولوه الى ماء بفعل لم يكن مدروسا جيدا..وبما أنه لكل فعل ردة فعل فالمنكمشون في الوديعة اليوم لن تسعهم أقمشتهم ولن تغطي بردهم أغطيتهم ولن تسكن آلامهم أدويتهم، هم يتألمون لكن في ندم شديد...ولو لم يكن الندم بالغ أوجه لما انكمشوا في وديعة الأحزان والضجر والتعب ،ومن أودع نفسه لله كان له خير حافظ وخير محتفظ للحق الذي سرق بالأمس بلا وجه عدل..لا داعي لأن تنكمش في وديعتك بل عش حرا طليقا مرتفع القامة منتصب الرأس ،فليس في جيبك مال حرام يقيد يديك بالأقفال ولا في قلبك أحقاد تزيدك ضعفا وركونا، الودائع على أشكالها تختلف وأفضلها وأدومها من وهب نفسه لربه كاملا وسلم أمره كله له، فما ظنك به وقد استجمعت قوى الحرمان في وصالك به ،فلم يتركك تصارع ولا تكابد لوحدك بل حن عليك أفضل من حنان الأم لوليدها فارتقيت وتألقت وتعافيت وسكنت في بيت الوقار منزلا يكفيك السؤال والحاجة والرغبة..هي هكذا سيرة الطيبين الواثقين المتمهلين، بداياتها جهاد وخواتيمها مسك وظفر واكتساب.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
الاستاذ محمد خلوقي. من المغرب