سأستعرض بعض الأفكار الفلسفية عن النفس البشرية والمجتمع كما وردت بمدونات نيتشه, تتضمن مفهوم الإلهام العميق و الاقتراب من الحقيقة أو البحث عنها كما وصفها بالشجاعة و الحرب النفسية مع المجتمع, المثالية البعيدة عن الواقع, قدرة الحفاظ على الذات.

ونرى بشكل واضح من كتابات نيتشه النزعة العدوانية تجاه المثالية الأجتماعية والطبقية فيصف نفسه بالمحارب, وأن الهجوم مسألة غريزيّة به, وأن يكون قابلاً لأن يصبح عدواً, وأن يكون عدواً, يتطلب هذا طبيعة قوية. النزوع للعدوان ينتمي بالضرورة للقوّة, بقدر ما تنتمي مشاعر الحقد والضغينة والنزوع إلى النتقام إلى الضعف. "لا أحارب إلا ما ليس معي حلفاء ضده, إذ أقف وحيداً في الحرب ولا أورّط سوى نفسي, ولا أهاجم الأشخاص كأشخاص".

سوف يزداد عدد الخصوم كلما أزدت قوة, فالفيلسوف المحارب سوف يتحدّى المشكلات للموجهة معها, ليس المهمّة المرجوّة هي الأنتصار, بل هي قهر الخصم بصفة عامّة, وبذلك سأضع يدي على تلك الثقافة وهي في حالة تلبّس... الثقافة التي تخلط الرفاهة بالوفرة (الغنى), والتفسّخ بالعظمة, هذه المثالية المريضة بين الأشخاص الذين يصفون نفسهم بذوي الطبقات الراقية.

التوازن النفسي:

من بعد شرح مفصل عن الأمور الضرورية للقيام بتوازن داخلي وخارجي التي هي: أختيار الغذاء, والمكان, والمناخ, والأسترخاء, فإن غريزة الحفاظ على الذات هي التي تقود وتعبّر عن نفسها على نحو غامض في شكل غريزة الدفاع عن النفس. "أن يحدّد الإنسان ما يراه, ويستمع إليه, وينتزع لنفسه الأشياء التي يريدها, تلك هي أوّلية الذكاء".

الإلهام:

هل يستطيع أي إنسان في هذا القرن أن تتكون لديه أي فكرة واضحة ومتميزة عما يقصده شعراء الحقبة القديمة الأكثر قوة مما يسمونه الإلهام؟ اذا لم تكن لديه هذه الفكرة. فإنني أحب أن أشرح هنا ما هو الإلهام.

إذا ما لم يترك الإنسان خلفه كل خرافة فإنه لا يستطيع أن ينبذ تماماً فكرة الوحي أو الكشف تصف هذا الظرف ببساطة, وأنا أقصد أن شيئاً يخدو فجأة عميق التأثير ومقلقاً, يصبح مشاهداً ومسموعاً بدقة ووثوق يصعب وصفها. إن الإنسان ليسمع ولايبحث, وإنه ليأخذ ولايسأل من الذي يعطي... فكرة تومض كبرق وبشكل حتمي ومن دون تردد - وليس لي خيار في هذا.

إن عبقرية القلب التي تفرض الصمت والانتباه على كل هرج وغرور, والتي تصقل النفوس الخشنة وتجعلها تتمتّع بمذاق شوق جديد - أن تستلقي بصمت مثل مرآة حتى يمكن لعمق السماء أن ينعكس فيها - عبقريّة القلم التي تعلّم اليد الخشنة و المتهّورة أن تتريّث وتقبض على الأشياء بلطف ورقّة. التي تستشف الكنز الخفي والمنسيّ, وقطرة الطيبة وجلاوة الروحانية من تحت الثلج الكثيف المسودّ. والذي هو مجسّ لكل ذرّة ذهب ظلت مدفونة لأمد طويل في الطين والتراب.

عبقرية القلم التي بالاتصال بها وملامستها يصبح كل من اتصل بها أكثر غنى, لا مباركاً ولا مندهشاً. ليس كما لو أضفيت عليه عظمة, ولا مسحوقاً بثروة جاءت من الخارج, بل غنيّ في نفسه أكثر, جديد أكثر من ذي قبل, متفتّقاً, وممتلئاّ بريح عاصفة. أكثر تردداً, وربما أكثر رقّة ورهافة, وأكثر هشاشة وانكساراّ, لكنه مفعم بآمال لا تطالها التسمية, ممتلئ بإرادة جديدة وتيّارات جديدة, ممتلئ بضعف إرادة جديد وتيارات مضادة جديدة.

يجب ألا نهمل شيئاً, يجب ألا نضحّي بشيء. وحتى يمكن فهم هذا فإن الأمر يقتضي شجاعة شرطها الأساسي هو التدفّق العظيم للقوة والمقدرة. فالإنسان لا يستطيع أن يقترب من الحقيقة إلا بمقدار ما تسمح به شجاعته ومقدرته على المضي إلى الأمام. إن المعرفة وتأكيد الحقيقة ضروريان للإنسان القوي بمثل ما أن الجبن و التقهقر عن الحقيقة (المثالية) هما ضروريان للضعفاء الخاضعين لتأثير الضعف.... والضعفاء غير أحرار في (المعرفة).

النقد العميق لبعض ظواهر التجمعات البشرية "المجتمع" الذي يتجاهل أهم ألغاز الحياة ويستجيب لأتفه الموجود بفعل فئة من الناس, التي بدوره وجه الأنظار لصغائر الأمور .. ودفعه لترك البحث عن الحقيقة المهمة... أن تستلخص شيء ذو أهمية من أي شيء.. أنت حققت خطوة جيدة, وأن تّكون فكرة فأنت حققت خطوة جيدة جداً.

بقلم: محمد غيث.