ذكريات طالب في بلاد الجرمان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ذكريات طالب في بلاد الجرمان

  نشر في 19 يناير 2017 .

شرطة الهجرة ، الوجه الآخر لألمانيا

استيقظ في هذا الصباح على غير العادة متوترا ، فاقد الأعصاب ، حتى لاحظ تغيره أقرباءه الذين لا يزال يقطن معهم ، و الحق أنه ما من سبب يوجب هذا التوتر و الإنزعاج ، ما دام وضعه في الأراضي الجرمانية حتى الآن قانوني ، فهو يحمل معه كل ما يخول له الحصول على الإقامية البينية ، بسهولة و يسر ، غير أنه شعور بالخوف يراوده ، كذلك الذي يسري في الجسد لا إراديا ، و فضل هو أن يذهب لوحده ، شاكرا عرض أقربائه بمرافقته ، و خرج من باب العمارة ، فضرب وجهه هواء بارد قارس ، زاد من حمى تخوفاته !

تسلق دريجات الميترو ، و أخذ مكانا داخله ، الشيء العجيب الذي جذب انتباهه أن أغلب الركاب يتصفحون الجرائد و المجلات ، و الكتب ، بل حتى الأطفال الصغار يبرى فيهم هذا الشيء المسمى ثقافة و علم منذ الصغر ، فتأخد الأم معها كتبا مصورة ، و تعطيها لأطفالها في الميترو ، و قد كان حتى في بلاده من المعجبين بتلك الطريقة ، فربع ساعة هكذا تضيع في الميترو أو الباص ، ليست بالهينة ، ووجب على الناس استغلالهها في أشياء مفيدة ،

و الحق أن المجتمع الألماني بكافة أطيافه إلا من شذ منهم ، تراهم كأسنان المشط في الميترو ، فكان شيئا عاديا ، أن تجد رئيس شركة كبيرة مثل فولكس فاكن ، يركب الميترو مع من يشتغلون عنده على رغم الفرق الكبير بينهم في المنزلة ، و شيء عادي ، أن تجد المستشار الألماني نفسه الذي يحكم البلاد داخل الميترو برفقة حارسيه الشخصيين الذان تكفلهما الدولة لحراسة حاكمها ، هكذا نعم بين الناس ، و بين المهاجرين ، بل منهم من لا يأبه له أصلا ، و على العموم كان الميترو واجهة و مرآة للمجتمع الألماني ، فنادرا ، ما كان يركب الميترو و يلقي التحية ، و لا يرد عليه أكثر من راكب و لو حتى بالإبتسامة ! هذا الجو في الميترو أشعره بالذهول الشديد ، لأن المواصلات العامة في بلاده لا يركبها إلا من لا يستطيع اقتناء السيارة !

المجتمع الألماني في الميترو مجتمع متكافل متعاون إلى أبعد الحدود ، فيحدث أن تجد المستشار الألماني هناك واقفا ، أو تاركا مقعده لعجوز أو لأمرأة تحمل طفلا ، و شيئ جائز أن ترى التعاون بين الركاب لحد يجعلك تشعر بالدهشة من كل هذه الأخلاق التي تفتقر إليها بلاده ، و كان كل واحد منهم ، يقتني تذكرة ركوبه ، و يتركها لماكينة مثبثة في الميترو من أجل تذييل تاريخ الرحلة عليها ، و حينما كان مفتشوا الميترو ، يصعدون لمراقبة التذاكر ، كان الكل إلا ن شذ ، يخرج بطاقاته أو بطاقته الشهرية للإشتراك ، و كان منظر الذي ركب بدون تذكرة مثيرا للتقزز ، لأن المجتمع الألماني يربي أبناءه على عدم السرقة ، كيفما كانت هذه السرقة ، و لو أن تصعد الميترو بدون تذكرة ، يربون أبناءهم ، أن ثمن التذكرة ستستغله شركة الميترو من أجل إصلاح الميترو ، من أجل رفاهية أكثر للمجتمع الألماني ، أن ثمن التذكرة ، سيكون جزءا في أجر السائق مثلا أو من يقومون على إصلاح الميترو ، و من يعملون بشكل عام في هذه الشركة ، فكان ثمن التذكرة على بساطته ، مشاركة من المواطنين في عون المواطنين بعضهم البعض ، و كانت الشركة توفر رفاهية في المواصلات لم يجدها في بلاده ، و كان الشعب يعلم قيمة هذه المركبات فلا يحطم أجهزتها ، و لا يقوم بأي تخريب ، لأنهم يعلمون أن المواصلات إنما وجدت من أجل خدمة الشعب بأكمله ! فكان هذا المجتمع حقيق بالنصر و التمكين ، لأنه وجد اسبابهما ، و استثمرها في الرقي و النهوض بهذه البلاد ، و لا عجب ، فرقي أي دولة من الدول إنما هو رهين بتكافل الشعب ، حكاما و محكومين !

في ذلك الصباح لم يستطعم شيئا ، توالت المحطات شيئا فشيئا ، و اقتربت محطته ، و ترائى له مبنى كبير ضخم ، كتب على جانبه ، ولاية ساكسن السفلى ، مصلحة المهاجرين ، كان هذا المبنى عبارة عن مركز لامتحان كبير مخيف بالنسبة للمهاجرين و الطلبة ، تماما كامتحانات القبول أو الولوج للوظيفة في جميع البلدان ، فجرة قلم ، كافية بأن ترجع طالبا أو مهاجرا في بلاد الجرمان إلى بلاده ، هذا الرجوع الذي يهابه أغلبية المهاجرين لأسباب متعددة !

دخل المبنى ، فكان عليه أن يقف في نهاية صف طويل من أجل الحصول على موعد ، ليرجع في اليوم الموالي ، أو إذا كان من السعداء التعساء ، يمكن أن يتكرم عليه المستقبل في مكتب الإستقبال بموعد في نفس اليوم ، تجمع في ذلك الصف جنسيات مختلفة ، من أفارقة سود ، مصريون ، مغاربة ، سعوديون ، و كانت القارة الآسيوية أيضا بقوة في ذلك المبنى حاضرة !

أغمض عينيه ، أخرج زفيرا عميقا !

كيف بالله يعاملوننا هكذا ، كعبيد جاؤوا يستجدون الرغيف ، أو يستجدون الإقامة ، او الرأفة ، حتى نظرات العاملين في المبنى كانت تشي بالكثير من الأشياء التي لا يمكنهم أن يفصحوا عنها بألسنتهم ، كيف يعاملوننا هكذا ، هل يحسبون أنهم يعيشون في بلاد الذهب ، نعم ، هم أكثر منا حضارة في المجال الدنيوي ، لكننا خير أمة أخرجت للناس ، حينما كان آباؤنا و أجدادنا يعاملون أجدادهم بأحسن طريقة امتثالا بأخلاق الإسلام الحبيبة ! كانوا يأتون إلى بلاد الأندلس ، و يتعلمون اللغة العربية من أجل تعلم العلوم الدنيوية ، انقلبت الآية الآن ، و أصبحنا في أسافل السلم الحضاري ، و أصبحنا من أجل تعليم يحمي للإنسان كرامته ، أصبحنا نستجدي رحمتهم ، حتى أن الكثير من المهاجرين ، ليلة موعده مع شرطة المهاجرين ينقلب ممثلا قديرا ، يبدع في تحويل قسمات وجهه إلى بئيس ، للتو خارج من أنقاض زلزال مدمر ، كل ذلك من أجل أن يحضى بالإقامة ! و كان المهاجرون الذين يقومون دعامات الصف الذي فيه يقف ، يرمقون كل خارج من موعد ، و يتسابقون في قراءة قسمات ملامحه ، ليعرفوا هل هو من السعداء أم ممن حكم عليه بالشقوة !

سب في قرارات نفسه مسؤولي بلاده الذين حولوها إلى ضيعة لهم و لأبنائهم ، يشربون من حليبها ، و يتغذون على لحمها ، و يرمون الفتات للغير ، حنق عليهم أشد الحنق ، حتى بكى في قرارة نفسه ! لماذا نضطر إلى قطع كل هذه الكيلومترات ، و التضحية بأقاربنا ، و حاجاتنا الغالية ، و نأتي إلى هذه البلاد الغريبة ، و نعامل مثل العبيد ، أو مثل أشياء عفنة ، انتهت مدة صلاحيتها ، تنظر في أعين العاملين هناك ، فتجدها ملئى بكل التهم الجاهزة ، من أن المهاجر ما هو إلا بائع كلام ، إلى تهمة الإرهاب ، مرورا بالشك في نواياه الدراسية ، و أنه هنا لأجل خطف فرص العمل ، و الزواج من أية عفنة ، يصبر على معاملتها من أجل الحصول بعد 3 سنوات على الإقامة الغير محدودة في بلاد ألمانيا ، من أجل ذلك ، يمنعون العمل بالنسبة للطلبة الجدد ، و لا يسمحون لهم بالحصول على موارد قارة إلا بعد معاناة ! حينذاك أحس بالغربة تنخر عظامه ، و شاهد بأم عينه مهاجرين خارجون من مكاتب مواعيدهم و الدموع تملأ عيونهم ، لا يعلمون ماذا يفعلون ، و لا أين يذهبون ، و ماذا يصنعون ، بعد أن حجزت شرطة الهجرة على جوازات سفرهم ، و أبدلتهم مكانها ، ورقة خضراء ، كمتهم مجرم هارب فار من العدالة ، خوفا من أن يفر إلى أي بلاد أوروبية بجواز سفره ، بعد أن تعثر في مراحل دراسته ، و لم يبق له من أكل سوى العودة يجر أذيال الخيبة ، و الحقيقة ، أنه لا يلوم أمثال هؤلاء ، فهو لا يعرف الظروف التي منها مروا ، و لا الأشياء التي اضطروا إلى فعلها ، ليجد نفسه أمام مكتب شرطة الهجرة ، يرمقه بسخرية مقيتة يستشعرها المهاجر ، و هو لا يملك إلى إرجاع الصفعة سبيلا ! هناك من المهاجرين من يزوج نفسه إلى أقرب عجوز ، يقايضها ، و يدفع الثمن من صحته و هدوء أعصابه ، و أشيائه الثمينة التي طالما جمعها في بلاده ، و هناك من يفر إلى بلدان أوروبية ، و هناك من يمرض من شدة البرد القارس ، لأنه لا يملك ملاذا و لا سقفا به يحتمي لأن أوراقه و هويته بذلك لا يسمحان ! هذه الأشياء هي أحد أهم سلبيات بلاد الجرمان ، فالنظام الرأسمالي ، لا يعترف بالعواطف ، و لا يضع في حسابه للمشاعر قاموسا ، القانون يطبق بشكل حجري ، صارم ، لا مكان فيه للحنان ، بل إن الألماني ، ليترك أباه و أمه ، و يودعهما دار العجزة ، من أجل أن لا يزعجا هدوء حياته ، و لأنهما يكلفانه الكثير ، نظام رأسمالي أناني ، و كان عليه معه أن يتعايش ، و على العموم لم يكن هو شخصيا ليعاني من كل ذلك ، فوضعيته مستقرة ، و أبوه الحبيب ، يرسل له كل شهر ما يفرح قلبه ، و هو يعلم أنه يشكل عبئا عليه ، غير أن الفرق الثاني بيننا و بين الألمان ، أن أباءنا لا يتبرمون أبدا من طلباتنا ، و الأبناء لم يربوا عندنا في بلادنا العربية على دحر آبائهم و طردهم ، و عقوقهم ، رغم أن العقوق أصبح ينتشر في البلاد الإسلامية انتشار الفطر حول شجرة معمرة !

كان الصف الذي طال حتى قارب على الوصول إلى باب المصلحة و ملأ البهو ، يتكون من أناس من جنسيات متعددة ، كل العالم يجتمع ها هنا من أجل الحصول على وثيقة البقاء ، العالم كله هنا يغوص في ذلك الشعور الذي ينغص عليه حياته في كل مرة يأتي إلى هنا ! و إنه لا يشك بتاتا أن هناك أناسا ، يحسدون الألمان ، لأنهم ولدوا ألمانا ، في دولة تحترم نفسها ، و توفر لمواطنيها العيش الرغيد و تحترم كرامتهم الإنسانية ، و تكف عنهم أذى المهاجرين الهاربين من جحيم بلدانهم ، إلى جنة ألمانيا فقط من أجل الإحساس بمتعة الكرامة الإنسانية هنا ! و الحقيقة ، و أنه بالرغم من هذه الأشياء البغيضة التي يحسها المهاجر هنا في مصلحة المهاجرين ، إلا أن البلاد ككل و النظام خاصة ، يعامل المهاجرين معاملة حسنة جدا ، و القانون يطبق على الجميع ، فلا يمكن مثلا أن يعتدي عليك ألماني في الشارع و لو بالسباب ، و تكون الشرطة هناك ، و لا تقتص لك منه ، و ترجع لك حقك ، ز تطلب منك أن تصفح عنه ، أو ترفع عليه قضية ، و تواجهه في المحكمة و تكون في الأخير أنت الرابح ، و لا يمكن أن يشهد الألمان هنا إلا من شذ منهم ، اعتداء عليك من طرف عنصري بدون أن يتدخلوا للقصاص منه لك ! و لا عجب ، فبلد عاشت في عصور النازية لمدة طويلة و عانت منها ، و من التمييز العنصري ، لا يمكن أن يكون أهلها إلا كذلك ، إلا من شذ من عجائز ، و ممسوخي الفطرة الإنسانية ، ممن لا يزالون يتشبثون في قرارة أنفسهم بعقدة العنصرية ضد الآخر و ضد اللون بالذات !

ألمانيا و البلدان الأوروبية ، و الدول الإسكندنافية ، تحترم كرامة الإنسان ، و توفر له أشياء ، جميلة جدا ، تشعره أنه إنسان كريم يمشي على أرض القانون ، و يعلم أنه إذا داس أحد له على طرف سيجد من يرجع له حقه ، و يعلم أيضا أنه إذا تجاوز حدوده المسموح له بها ، و ارتكب جرما يعاقب عليه القانون سيجد العقاب المناسب مهما كانت طبقته التي ينحدر منها حتى و إن كان رئيس ألمانيا نفسه ! من أجل ذلك كله ، غرقت سلبيات مصلحة الهجرة في بحر مزايا النظام و المجتمع الألماني ! و لا عجب ، فالقرق كبير جدا بين نظام هذه البلاد و بلاده التي منها هو ينحدر ، بلاد لا يزال تطبيق القانون بها مرتبطا بالطبقة التي يأتي منها مقترف الجريمة ، بلاد ، لا تزال الرشوة فيها هي من يحدد سير القضاء و النطق بالحكم فيه ، بلاد ، لا يزال الأشراف فيها يطلقون النار على رجال الشرطة ، و يصفونهم بالذباب و في اليوم الموالي تستخرج للجاني شهادة بمرضه بمتلازمة الكورساكوف النادر ، بلاد ، لا تزال عائلات بعينها تتحكم في اقتصاد البلد ككل ! بلاد ، لا يزال الفقير فيها يموت حسرة و حرقة قبل أن يموت جسدا على أبواب المستشفيات التي تفتقر إلى أدنى شروط الكرامة الحيوانية فقط لأنه لا يملك ثمن الإستشفاء ! بلاد يمكن أن تكون فيها بريئا في الصباح ، و تلفق لك تهمة في المساء ، بلاد ، يسجن فيها العجائز ، لمجرد أنهم انتفضوا ضد نصب طالهم ممن يحسبون على مطبقي القانون هناك! كل ذلك حينما كان يقارنه بما رآه هنا في المانيا ، يجد لفرق كبيرا جدا كالفرق بين السماء و الأرض !

بلاده أضحت منذ استقلالها ضيعة لعائلات بعينها ، و اطفالهم ، و باقي الشعب يجب أن يتصارع مع بعضه البعض من أجل فتات ، يقيه الوقوع في براثن الفقر !

من أجل ذلك كانت بلاده في حاجة ماسة إلى الكثير من الأصباغ و الأرطال من الجير لكي تزين صورتها البشعة التي تخفيها صورة السياحة فيها ! فكان لا بد ، من تزيين الواقع العفن ، بحفنة من الصور يروجها المنظرون هناك لتلك البلد ، و كأن القادم إليها لا يعلم حقيقتها ! فالسياح يعلمون بشكل مباشر أو غير مباشر كل سبليات بلاده ، بل إنهم يلقنونها قبل ركوب الطائرة من أجل الحفاظ على سلامتهم و كرامتهم !

و من أجل ما رأى في ألمانيا ، ما كانت يحتاج نظامها و مسؤولها للتنظير للبلاد ، وما كانوا بحاجة إلى أرطال من الصباغة من أجل تزيين وجهها الجميل أصلا ، لأن القانون هناك يطبق على كل الناس سواسية ، و الصحافة هناك حرة مستقلة ، لا تعرف للحنان سبيلا في ما يخص منتهكي القوانين الألمانية ، و الذين يحسبون نفسهم أكبر من القانون !

مركز شرطة الهجرة ، امتهان فعلا لأنفس المهاجرين ، فإذا كان المهاجرون القانونيون هكذا يعاملون ، فما بالك بالمهاجر السري غير الشرعي ، هكذا تساءل و نفسه ، قبل أن يقطع خيط تفكيره صوت امرأة شابة

ــ نعم سيدي ، كيف يمكنني أن أخدمك ؟

ــ أريد موعدا من أجل إقامتي أرجوك

ــ هل أنت طالب ؟

ــ نعم !

ــ ناولني إذا جوازك ، و ورقة القبول في الجامعة

ــ تفضلي

ــ حسنا ، لدينا مواعيد شاغرة اليوم و بعد غد ، أيهما تختار !

ــ حسنا أفضل اليوم

ــ حسنا ، موعدك بعد ساعة في الطابق الثاني رقم 404

ــ شكرا !

ـ عفوا

ذهب ، و تسلق الدرجات حتى أحيل على ساحة كبيرة ، و كراسي في وسطها ، و ابواب مرسومة على حائطها ، و لوحة إلكترونية تشتد إليها الأنظار ، بحثا عن رقم مفقود ، جلس ، و ارتباكه لا يزال يرافقه ، مرت الدقائق ، و رأى رقمه ، فدخل و حياه الرجل المكلف

ــ أهلا سيد مهدي

ـ أهلا سيدي ، عذرا كيف عرفتم اسمي ، و لما أكلمك بعد

ضحك ضحكة خفيفة ، و رد

ــ أرسلت إلي معلوماتك عبر هذا الجهاز ، و أشار إلى الحاسوب !

ــ عملكم يشبه حرب الجواسيس

ــ إذا ، فكل العالم جواسيس حسب نظريتك ـ

ـ كانت فقط مزحة عابرة

ــ جميل أن تكون معنوياتك مرتفعة ، فأغلب الذين يزوروننا في هذا المبنى يأتون لا يقدرون حتى على النطق من شدة الإرتباك

ــ شيء طبيعي ، فهناك زملاء لك ، يشبهون أشباحا مخيفة ، من فرط التبرم في وجوه الناس !

و الظاهر أن كلامه الأخير لم يرق له ، فقال له

ــ ينقصك وثيقة الضمانة ، يجب على من يضمنك أن يرسل لنا وثيقة ، يوضح لنا فيها ، ما يجب عليه توضيحه

ــ حسنا

ــ المهم ، ستحصل على الإقامة البينية ، و ها هو جوازك ، و فيه كل ما تنتظره

ــ لم أكن أتوقع أن الأمر سهل إلى هذه الدرجة !

ــ أتمنى أن يظل الأمر دائما كذلك بالنسبة لك ، فهناك من يأتي إلى هنا ليذهب إلى المطار مباشرة !

ــ سأعمل على أن لا أمكنكم من فعل ذلك ! مع السلامة

ــ مع السلامة !

خرج ، و كان كل شيء يدور في خلده مشتت ، و أحس بضيق شديد ، كيف كيف يستطيب العيش هنا كيف ، كيف أصبحت بلاده و بلاد المسلمين ، كعكة بين يدي شرذمة من المجرمين ، مصاصي دماء الشعوب ، لماذا ، لا تصبح بلاده و بلاد المسلمين كهذه البلاد ! لماذا يسمح الشعب المستضعف لمثل هؤلاء الحثالة الذين يعيشون بين ظهرانيهم ، بسرقة أموالهم ، و المال العام ! لماذا يقبلون العيش في الحضيض ؟ لماذا لا تصبح كل الشعب الإسلامية كهذه الشعوب الكافرة التي تقطع الطريق على كل من يريد التلاعب بأقواتها ، لماذا يسرقون أموالنا ، و يتفرجون علينا أذلة في بلاد الكفر نستجدي أياما على ورقات الجواز !

سأل نفسه هذه الأسئلة ، و لم يجد لها إجابة ، و قطعت تفكيره دمعة حسرة ! و قصد مسكنه ، و في نيته أن يعجل برحيله إلى مسكنه الجديد ، و أن يحارب حتى أخر رمق ، و أن يثبت وجوده ، و أن يظهر لهؤلاء الكفار ، أنه في مستوى إنسانيته ، و آدميته ، و قبل كل ذلك في مستوى إسلامه ...

ركب الميترو ، و نزل محطتين قبل محطته ، و دخل إلى غابة من الغابات المحيطة ، و جلس على كرسي تحت ظل شجرة و دخل في نوبة تفكير أدت به في الأخير إلى شعر رقيق كتبه على ورقة لا يزال بها يحتفظ ، كأول كليمات كتبها في بلاد الجرمان !

في غد : امرأة ثمانينية من عصور النازية

mahdy jacob



  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 19 يناير 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا