مَا أَنفَكَ الأبُ يسألُ طِفلَهُ الصَغِير وهُوَ يُدَاعِبُ أحلَامَهُ .. عندمَا تَكبُر أيَ مِهنَةٍ ستَختَار ..
طَبِيبٌ .. مُهَندسٌ .. مُحَامٍ ..
أجابَ الطفلُ وهو يبتسمُ .. عَامِلُ نظَافَةِ ..
صُعِقَ الأبُ لهذا الحُلُمِ الغَرِيبِ ..
تجعَدَت تقاطيعُ وجهِهِ, وهو يُحَدِقُ في وجهِ الابنِ الحالِمِ, بينَمَا واصَلَ الطفلُ الركضَ خَلفَ أحلامِهِ ..
الطبيبُ يُقَبِلُنِي إذا ما كُنتَ نَظِيفاً ..
ولَكِنَهُ يُغَادِرُ الغُرفَةَ, ويترُكُنِي لأُمِي؛ لتُزِيلَ عنِي فَضَلاتِي وتُعَطِرَني, ومِن ثَمَ يَعُودُ لتَقبِيلِي ..
المهَندِسُ يَبنِي قُصُوراً شَاهِقَةً ..
ويُشَيِدُ مَبَانِيَ فَخمَةً ..
ولكِنَهُ لم يَبنِ قَطُ مَكَاناً نَرمِي فيهِ القمَامَة ..
المحامِي يَختَارَ مَن يُنَاسِبَهُ من المجرمينَ؛ كَي يُدَافِعَ عَنهُ أمامَ القَضَاءِ ..
اِرتَسَمَت عَلَى وَجهِهِ ابتسامةُ رِضَا وامتِنَانٍ, وهوَ يواصلُ تبريرَ حُلُمِهِ الصغيرِ ..
عامِلُ النظافةِ يجمعُ أكياسَنَا السَودَاءَ دونَ أن يَستَثنِيَ أحَدَاً.. لا ينتظرُ أن نُعَطِرَهَا, بل يَقبَلُ بِعِطرِهَا الكَامِنِ بدَاخِلِهَا ..
هو لا يَقصِدُ القُصُورَ والمبانيَ أنيقَةَ التصميمِ ..
بل يصنَعُ مَكَاناً هَجَرَهُ المهندِسُونَ..
لم يَكُن يَومَاً حُلُمَاً في عُقُولِنَا ..
إنهُ واقعٌ نراهُ كلَ يومٍ !!